وكالة أنباء الروهنجيا ـ meo
بقلم: كريستيشن كارل
حدث استثنائي جرى في هولندا الأسبوع الماضي: جلسة في محكمة العدل الدولية تمثّل خطوة صغيرة أولى نحو تحقيق العدالة بالنسبة لواحدة من الأقليات التي عانت طويلا في بلادها. ففي يوم الخميس الماضي، أنهت هيئة تابعة لمحكمة العدل الدولية المرحلة الأولى من محاكمة تهدف إلى تحديد ما إن كانت ميانمار (بورما سابقاً) قد ارتكبت إبادة جماعية في حق أقلية الروهينجا. ففي أغسطس 2017، وباستخدام عملية لمحاربة الإرهاب كذريعة، أطلق جيش ميانمار (ذي الأغلبية البوذية) حملة تطهير عرقي قتل خلالها آلاف الروهينجا المسلمين وأجبر قرابة مليون منهم على الفرار واللجوء إلى بنغلاديش المجاورة.
تحقيق محكمة العدل الدولية من المحتمل أن يستمر لسنوات، ونتيجته غير أكيدة. غير أن مجرد حقيقة كونه حدث أصلا أمر مهم جداً بالنسبة للروهينجا، ويمثّل انتصاراً معنوياً لهم. ذلك أنه لأول مرة، حظيت هذه الأقلية، التي عانت لعقود متواصلة من التمييز الممنهج على أيدي حكومتها، بجلسة عادلة من محكمة محايدة. هذا الأمر كان وراء ردود فعل عاطفية ذُرفت فيها الدموع بين النشطاء الروهينجا في لاهاي.
وفي هذا السياق، قال لي «تون خين»، وهو ناشط من الروهينجا يقيم في المملكة المتحدة: «لقد كان أمراً مثيراً للعواطف إلى أبعد حد رؤية الجيش البورمي يواجه تهماً في محكمة لأول مرة»، مضيفاً: «الجيش كان يفلت من العقاب عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها في حقنا، ولكننا عملنا بجد من أجل هذا اليوم».
وفي مخيمات اللاجئين الروهينجا في بنغلاديش، تحلَّق الناس حول شاشات الكمبيوتر والهواتف المتحركة من أجل إلقاء نظرة على المحاكمة (السلطات البنغلاديشية كانت قد قطعت خدمة الإنترنت على المخيمات قبل بضعة أشهر، لكنها أعادت الخدمة لعدة أيام هذا الأسبوع حتى اليوم الثالث من المحاكمة، وهي فترة تكفي لكي يشاهد اللاجئون جزءاً على الأقل مما كان يحدث في هولندا).
المحاكم الوحيدة المعروفة لمعظم الروهينجا هي جزء من النظام القضائي في ميانمار. ويقول «تنظين بالكيي»، من «الخدمة اليهودية الأميركية العالمية»: «لم يسبق للروهينجا أن عاشوا محاكمة حرة ونزيهة، وهذه المحاكمة جعلتهم يشعرون كما لو أنهم أخذوا يستعيدون إنسانيتهم لأول مرة»، مضيفاً: «إنهم يشعرون بأن دواليب العدالة بدأت أخيراً تدور لصالحهم. إنهم يعرفون أن هذه البداية فقط، ما يجعل ضخامة اللحظة محسوسة حقاً».
الدعوى ضد ميانمار أقامتها غامبيا، البلد الصغير الواقع في غرب أفريقيا، مدعومةً من قبل منظمة التعاون الإسلامي البالغ عدد أعضائها 57 دولة. ويُظهر مقطع فيديو آلاف اللاجئين الروهينجا في أحد المخيمات يهتفون باسم غامبيا ومشيدين بعملها.
وكان الروهينجا قد عانوا من عقود من التمييز وسوء المعاملة. فخلال سنوات الدكتاتورية العسكرية الطويلة، كان المجلس العسكري الحاكم يعاملهم كوجود أجنبي في البلد ذي الأغلبية البوذية، واصفاً إياهم بـ«المهاجرين» القادمين من بنغلاديش، رغم أن معظمهم مقيمون مستقرون في ميانمار منذ فترات طويلة. وكان قانون بتاريخ 1982 قد جرّد الروهينجا من جنسيتهم البورمية. كما تم استحداث تدابير أخرى أوجدت ما يشبه نظاماً للفصل العنصري، مما قيّد حرية الروهينجا في الحركة وحدّ من إمكانية وصولهم إلى التعليم.
إلى اليوم، ترفض حكومة ميانمار استخدام كلمة «روهينجا»، مثلما ذُكّر بذلك الكثير من المشاهدين هذا الأسبوع، عندما وصلت «أون غسا سو كي»، رئيسة الحكومة والزعيمة المتنفذة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، إلى لاهاي من أجل الدفاع عن سياسات بلدها بحق الروهينجا. خلال العرض الذي قدمته أمام هيئة المحكمة، تحاشت «أونغ سان سو كي» استخدام كلمة «روهينجا» حتى عندما كانت تنفي مسؤولية الحكومة عن الفظاعات المرتكبة.
لقد كان مشهداً يبعث على الكآبة على نحو استثنائي. فالمرأة التي كانت ذات يوم محل تقدير واحترام في العالم، لدفاعها العنيد عن القيم الديمقراطية خلال سنوات الدكتاتورية الطويلة، تجد نفسها اليوم متحالفة مع من ينفون وجود مجموعة بكاملها.
غير أن بعض النشطاء وجدوا قدراً من العزاء في حقيقة أن كلمة «الروهينجا» تكررت مرات عدة خلال المحاكمة، وأن وفد حكومة ميانمار كان مضطراً للجلوس في قاعة المحكمة ولتحمّل الأمر.
والأكيد أن ذلك كان أمراً صغيراً، لكن المحاكمة في لاهاي أظهرت أن الروهينجا قد يكونون أخيراً في طريقهم نحو تحقيق المحاسبة التي لطالما نشدوها.
يقول تون كين: «إن مجرد رؤية الجيش يواجه تُهماً في المحكمة لأول مرة، هو نصر بحد ذاته»، مضيفاً: «إن اضطرار أونغ سان سو كي للاستماع إلى ساعات من الشهادات حول ما فعله بنا الجيش يمثل انتصاراً. هذه القضية قد تنقذ أرواحاً لأنه لأول مرة أخذ شعور الجيش بالإفلات من العقاب يتآكل. ولهذا، فإنهم قد يفكرون مرتين قبل أن يفعلوا الشيء نفسه مرة أخرى».