وكالة أنباء الروهنجيا ـ الشرق الأوسط
شابان من ميانمار يؤسسان «بعثة الروهينغا الثقافية» لمساعدة لاجئي بلادهم
في الوقت الذي احتلت مآسي مسلمي الروهينغا عناوين صحف العالم، صنع اللائجون هنا قصص نجاح باتت مصدر إلهام للكثيرين. فها هو علي جوهر (22 سنة)، أصبح أول لاجئ من الروهينغا في الهند يسعى للحصول على درجة البكالوريوس في جامعة دلهي، وكذلك فعلت شقيقته تساميدا (19 سنة) التي باتت أول لاجئة من بلادها تحقق العلامة الكاملة في امتحانات إكمال المرحلة الثانوية.
بكلمات تنمّ عن قناعة واضحة، قال جوهر: «أنا أول مواطن من بلادي يدرس في جامعة بالهند. لو نجحت هنا فسينجح غيري». وأسّس جوهر ومواطنه موانغ عبد الله خان (29 سنة) الذي فرّ من ميانمار عام 2013، وحصل على حق اللجوء في الهند «بعثة الروهينغا الثقافية» لمساعدة لاجئي بلادهم المنتشرين في مختلف أنحاء العاصمة دلهي وإدارة شؤونهم التعليمية.
سرد خان قصة إكمال دراسته الجامعية في الإحصاء بجامعة سيتي في ميانمار بصعوبة بالغة، قائلاً: «تبنت حكومة ميانمار سياسة عنصرية وطبقت سياسات صارمة على مسلمي الروهينغا، وعلى الرّغم من ذلك تمكنت من إكمال دراستي». وأضاف: «من ضمن أهداف بعثتنا التعليمية المساعدة في تعليم فتيات جاليتنا هنا. نريد أن تذهب الفتيات إلى المدرسة لكي لا يكون هناك فتاة واحدة أمّية في الجيل المقبل. فالبعثة تحاول من خلال المبادرات التي تقدمها أن تساعد النساء اللاتي لم ينلن قسطا من التعليم»، موضحاً: «من أهم المشكلات التي تواجهنا هي أنّ العائلات لا ترحّب بتعليم بناتها بمجرد أن يكبرن، لكنّني أشعر أنّ تعليم فتياتنا سيكون سبباً في تحرير جالية الروهينغا بأكملها، ولذلك أحاول أن أدمج العلم والدين في الدروس التي ألقيها. نحاول أيضاً أن نوفّر فرصاً للتعليم المهني للنساء لتعلّم الحرف، ومنها حياكة الملابس ليحسّن من وضع أسرهن الاقتصادي».
فرت عائلتي تساميدا وجوهر من ميانمار إلى بنغلاديش عام 2002، وبعد الحياة في معسكرات «كوكس بازار» للاجئين لثماني سنوات، رحلت العائلتان إلى دلهي. وعندما وصل جوهر إلى الهند، عمل في مواقع البناء لستة شهور ثم تمكن من إكمال المرحلة الثانوية في دلهي بمساعدة المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين، وينوي أن يصبح محامياً للدفاع عن حقوق أبناء شعبه.
عاشت العائلتان في مخيمات وسط 50 عائلة أخرى في حي تسكنه الأقليات بمدينة «كليندي كونجي»، جنوب شرقي العاصمة دلهي. قالت تساميدا: «أريد أن أصبح طبيبة لأنه ليس هناك طبيب يرعى أبناء الروهينغا في بلادي، ولا أنوي الزواج قبل أن أصبح طبيبة»، فيما تدرس ميزان (14 سنة)، شأن تساميدا وثلاث فتيات أخريات في المعسكر، بمدرسة خيرية تبعد بضع أمتار عن المكان الذي يضم 36 طفلاً من أبناء الروهينغا يحضرون بانتظام. وتدرس الفتيات والسيدات على يد مدرسين هنود، ثلاث مرات أسبوعياً تحت إشراف مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وذلك بسبب ضعف التواصل مع المدينة، على عكس الرجال الذين يتجهون إلى المدينة للعمل والأطفال الذين يتجهون إلى المدارس.
السعادة ظاهرة على وجوه الأطفال، على الأقل لعدة ساعات كل يوم، حيث يلعبون ويندمجون مع أقرانهم. لكن هؤلاء الأطفال ليسوا سوى القلة المحظوظة التي حظيت بتمويل من «مؤسسة الزكاة» في الهند، على عكس الحال بالنسبة للغالبية العظمى التي ترى الدراسة نوعاً من الرفاهية التي لا يتحملون نفقاتها. فالمدرسة توفر لطلابها الملابس وثلاث وجبات يومياً، وتعتبر تجربة الذهاب إلى المدرسة، الأولى لكثير من تلاميذ الروهينغا.
وكان رئيس جالية الروهينغا عبد الحق قد صرّح بأن الدراسة جاءت نعمة كبيرة لأن غالبية أطفال الجالية لا يجدون من يرعاهم في المنزل بعد أن يغادر الأبوان للعمل في أعمال متدنية مثل جمع القمامة وأعمال النظافة. ويضيف: «على الأقل بات بمقدورهم الآن الحصول على وجبات غذائية كل يوم ومستقبل يفكرون فيه».
يأتي محمد حسين (13 عاماً) إلى زيارة والديه مرة واحدة كل أسبوع، وعلى الرغم من ذلك فهو محظوظ، لأنه حصل على فرصة دراسية من مفوضية الأمم المتحدة بمدرسة خاصة في مدينة فيكاسبوري التي تقع في الطرف الآخر من المدينة.
وفي منطقة كوشان كونج مدرسة أخرى لمسلمي الروهينغا تأسست عام 2012، يدرس فيها نحو 70 طالباً من المعسكر.
في الحقيقة، جاءت الحياة في مدينة دلهي لتصنع فارقاً كبيراً في حياة كثيرين من أبناء عائلات الروهينغا المسلمة؛ فمثلاً محمد إسماعيل (27 سنة)، وصل إلى الهند منذ عامين ونصف تقريباً، وكان على عائلته التي تتكون من ستة أفراد (أخوين وزوجة وشقيقه، وأختين) تَرْك أبويهما في ميانمار. والآن وجد إسماعيل بيتاً في دلهي.
يقول إسماعيل: «أخيراً قُبلنا هنا، ونستطيع أداء شعائر ديننا من دون خوف من التعرض للقتل بسببها، فالمهم أنّ الهند قبلتنا. ورغم القذارة والرائحة الكريهة التي نعيش فيها، فإننا لا نريد العودة مطلقاً».
يفضي ممر ضيق ببلدة «مدنابور خادار» إلى أرض فضاء بها لافتة تقول: «بيت اللاجئين»، الذي يضم نحو 70 عائلة من مسلمي الروهينغا المنفيين. وفي أرض منحتها مؤسسة الزكاة الإسلامية الهندية، بنت المؤسسة بيوتاً مؤقتة من ألواح الخشب والكرتون والشمع. وحصل اللاجئون بالمعسكر على تأشيرات بالإقامة لفترات طويلة ويحملون بطاقات صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تحمل أسماءهم وصورهم. وفي المنطقة نحو 50 طفلاً يدرسون بمدرسة غانديب فيدا ماندير القريبة.
مر نحو خمس سنوات على وصول غالبية اللاجئين إلى معسكر اللاجئين في الهند، جميعهم مر بالرحلة ذاتها تقريبا، فقد هربوا عن طريق البحر إلى بنغلاديش ثمّ استقلوا قارباً آخر أو قطاراً إلى الهند.
وقال أنور شاه، الذي يدفع 500 روبية شهريّاً كرسوم دراسية لحفيدته: «هي ليست قصتي وحدي، بل قصة جميع أبناء الروهينغا. أريد لحفيدتي أن تصبح مدرسة، فهي تدرس بمدرسة تابعة للأمم لمفوضية المتحدة للاجئين. جميع أفراد العائلة يُسهِمون بقدر في مصروفاتها الدراسية الخاصة».
وأفاد تلميذ يبلغ من العمر 19 سنة، بأن عدد الطلاب الذين يحضرون للدراسة هنا كل مساء يتراوح بين 30 و40 طالبا، مضيفاً: «لقد حرمتنا حكومة بورما من التعليم الأساسي».
يعيش أكثر من 40 ألفًا من لاجئي الروهينغا بمختلف مناطق الهند، مثل دلهي وجامو، وكشمير وأوتر براديش، وحيدر آباد، وقليل منهم فقط مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في الهند، فيما يقيم آخرون بصفة غير رسمية.
وأفادت أبيشتا سينغبوتس، منسقة السياسيات في مفوضية الأمم المتحدة بالهند، بأنّ «نحو 15 ألفاً من لاجئي الروهينغا تسلموا بطاقات من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين»، مضيفة أنّ «البطاقة تعد اعترافاً بوضعهم كلاجئين في الهند، ولذلك فهي تحميهم من الاعتقال والترحيل. كذلك فإنهم يتمتعون بخدمات صحية وتعليمية بفضل الوثائق الممنوحة من المفوضية، وبمقدورهم التقدم بطلب للحصول على إقامة لفترات طويلة استناداً إلى بطاقة المفوضية».
جدير ذكره، أنّ غالبية نساء الروهينغا في الهند تعملن كجامعات قمامة، فيما يعمل غالبية الرجال كعمال بناء.