وكالة أنباء الروهنجيا ـ مركز الدراسات والتنمية الروهنجية
في كل بلد تُختَلقُ الأساطير حسب جغرافية أرضه وكأنها تستمد من البيئة. فغالب البلدان الصحراوية يتحدث أهلها عن الغول؛ لأنها تتراءى لبعضهم في عرضها وسط الظلام -كما يزعمون-، وأهل المناطق الجبلية يتحدثون عن هوام متشكلة ذات أصوات مخيفة تسكن الجبال، وأهل الغابات لهم أساطير عجيبة حول الثعابين والزواحف، وأهل البحار لهم أساطيرعن التنانين ووحوش البحر وهكذا.
وأراكان منطقة غابية 70% من أرضها تشتمل على غابات، وتخرج للعالم ثلاثة أرباع من أخشاب التيك (1) الفاخرة(2).
ولأهلها أساطير خلدتها الأيام يرويها الأراكانيون جيلا بعد جيل، وهي رائعة شائقة،
ومن تلكم الأساطير أسطورة غريبة جمعت العرب والعجم في اعتقاد وجودها، وكأن يد الحقيقة ضربت على طاولة الواقع إثباتًا لها ولصدق رواتها، ألا وهي جوهرة الثعبان، ويسميها الأراكانيون الروهنجيون (مانيك).
إن جوهرة الثعبان المضيئة في دياجير الظلام، والتي يتحدث عنها أهل المناطق الغابية ليست في أراكان فحسب، بل في معظم دول العالم حتى بلاد العرب، مثل اليمن والمنطقة الجنوبية من بلاد الحرمين وغيرها.
وعلى عادة الناس في حب الإغراب اختلقوا روايات كثيرة حولها حتى تبهر السامعين، وتَكسِب المعجبين!!
يعتقد الأراكانيون الروهنجيون القدامى أن بعض الثعابين تمتلك جواهر لا تقدر بثمن تخرجها من داخل فمها ليلًا للبحث عن الفرائس؛ حيث تقوم بإخراجها في الظلام لجمع الحشرات والزواحف التي تتجمع على ضوئها؛ وذلك لضعف بصرها(3).
كما كان الكثير منهم يحلمون بالحصول على هذه الجوهرة الثمينة؛ لأن من وجدها يصبح (رازا)(4) على حسب اعتقادهم، أي يصبح ملكًا!
أو لأنها نافعة في العلاج، خاصة في إخراج السم من الملدوغ، أو لأنها تجلب البركة كما يعتقد بعضهم، أو لأنها جوهرة حقيقية غالية الثمن. ويقول بعض العرب إنها من الأحجار الكريمة، ويبلغ سعرها ملايين الريالات!!
ويعتقد بعض الأراكانيين الروهنجيين أنها تكون في خاتم الملوك، وإذا أراد أحدهم أن يموت فرارًا من ذل أو نحوه؛ امتصها ومات فورًا، مثل ما فعلت الملكة نائلة الزباء؛ حيث امتصت الخاتم حتى ماتت(5) ولا نعرف هل الذي كان في يدها جوهرة الثعبان أو غير ذلك؟
وفيما يرويه الأراكانيون الروهنجيون أن الثعبان إذا أخرج الجوهرة وذهب للبحث عن الفرائس يذهب من يريدها فيغطي عليها بقدر ثم يهرب، فيبدأ الثعبان بالبحث عنها بحثًا جنونيًّا حتى ينتفض ويموت، ثم يأتي الرجل ويأخذها؛ ليصبح غنيًا بعد ذلك!!
وكانوا يتناقلون حكايات عن مكان وجود بعض الثعابين التي تمتلك الجوهرة ويروون القصص عن مشاهدة ذلك الثعبان وجوهرته، ولكن -على حسب علمنا- لم يُنقل أبدًا نقلًا يعتمد عليه أن أحدا من الأراكانيين الروهنجيين يملك مثل هذه الجوهرة!
وقد ذكر مؤلف كتاب "كل شيء عن الثعابين" -والذي ترجمه إلى العربية عبد الحليم كامل-؛ حقيقة أرجل الثعابين، والتي فقدتها منذ مائة وخمسة وعشرين مليونا من السنين وبقيت علامات، وهي النقط العظمية أو المهاميز(6)، وهي رواية تتفق مع مقولة الأراكانيين الروهنجيين "من رأى أرجل الحية أصبح ملكًا" في وجود أرجل للثعبان، ولكنه لم يذكر أو يلمح في كتابه لجوهرة الثعبان، وقد ظهر المتخصص في الثعابين كامل بدوي صاحب "موسوعة عالم الثعابين"(7) في مقطع على قناته في اليوتيوب وأنكر فيه وجود هذه الجوهرة، مبينًا أن كل ما يقال عنها فهو وهم ما له أي أساس، وأن بعض الناس يجرون خلف السراب وخلف المكسب السهل في هذه القضية، ولغموض عالم الثعابين صدق الناس هذه الرواية، واستند إلى بعض الأمور في إنكاره هذه الأسطورة التي غزت البسيطة بغرابتها، ومنها:
1- أنها مادة صلبة، وأن الحيوان لا يستطيع العيش بحاجة صلبة داخله.
2- أن الحيوانات لا يجلبها كشاف يوضع في مكان مظلم فكيف تجلبها الجوهرة.
3- إذا انطفأت الجوهرة داخل الحية ما الذي يطفئها، وإذا بقيت منورة عندما تبلعها سوف يبقى جسمها منورا، وحينئذ يراها الناس.
4- أن الثعبان يموت فأين تذهب تلك الجوهرة إذا ماتت؟!
وقد ذكر المؤلف المذكور في كتابه -تحت عنوان (الخرافات)- ثعبان الجوهرة كخرافة ليس لها في الواقع أي شاهد، وقال: "كثيرة هي الخرافات التي نسمعها عن الثعابين، والكثير منها مُصَدَّق لدى عامة الناس، ويرجع ذلك إلى قلة الإلمام بالثعابين وعدم معرفة الناس بها؛ نتيجة بغضهم لها، مما يؤدي لتصديق أي شيء يقال عنها، كما أن الخوف منها أدى إلى تهويل ما ينتج عنها من أفعال؛ فيهابها الجميع ويصدقون ما يسمعون دون وعي منهم أو إدراك، وقد قمنا بجمع العديد من الخرافات التي ننكرها ولا نجيزها، ونحن إنما ننكرها لثلاثة أسباب رئيسية، هي:
1- عدم وجود دليل علمي.
2- لم تثبت مع التجربة.
3- اندثرت مع مرور الزمن.
وقال: "التجربة لا بد أن تتوفر لها شروط معينة، كتكرار الحالة، والتأكد من صحتها، والتدقيق فيها حتى لا يكون في الأمر لبس أو شبهة"(8).
ولذلك عددناها من الأساطير طيلة سنوات حتى سمعنا من بعض العرب مثل هذه القصص ونشر بعضهم صور الجوهرة، وبعضهم يسميها بـ(درة الكوبرا) أو (خرزة الحية)؛ حيث تستخرج من رأسها. وهناك مقاطع مختلفة على موقع اليوتيوب تظهر أناسًا يُخرِجون أحجارًا من رؤوس الأفاعي، وذكرت جريدة البلاد قصة يعتقد كاتبها أنها واقعية حول هذه الجوهرة، وهي رواية تتفق تماما مع ما يقوله الأراكانيون الروهنجيون، وقال: "ومما لا يعرفه الكثيرون؛ فإن هذا النوع من الثعابين -وهو شديد السمية- لديه قدرة مخيفة على تنويم الإنسان مغناطيسيًا لثوان معدودة قبل أن يقوم بغرس أنيابه بجسده والدفع بسمه الزعاف بجسده الضعيف"(9)؛ وهنا نفهم سر هروب من يريد الجوهرة بعد تغطيتها بالقِدْر.
ومن المحتمل أن يكون ما شوهد ليس جوهرة مضيئة، وإنما شيء آخر شوهد قرب الثعبان؛ فظنه من شاهد جوهرة، أو شيء يعكس ضوء القمر، وقد تكون الحقيقة أن الجوهرة مجرد حجر من الأحجار الكريمة -كما يظهر في الفيديوهات-، ولكن الناس اختلقوا تلكم الغرائب لغرض لا نعلمه!
ومن المثير أن الناس لا يقبلون إنكار هذه الجوهرة لكثرة من يدعي رؤيتها في أرجاء العالم! والله أعلم بالحقيقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخشاب التيك يتم تصنيعها من أشجار التيك التي تنبت في الغابات الاستوائية ببلاد جنوب شرق آسيا، مثل بورما وغيرها، ويعتمد عليها في صناعة بعض السفن والأثاث عالي الجودة؛ لصلابتها ومقاومتها للماء، واحتوائها على مادة دهنية تقاوم الحشرات.
وذكرت صحيفة (يمن برس) في تقرير نشرته عن الكعبة أن سقف الكعبة المشرفة ترفعها تسع وأربعون قطعة من شجر التيك الذي تم إحضاره من بورما، وتمت معالجته في جدة حتى تم تجفيفه وتخفيض نسبة الرطوبة به، وتم توزيعه على جدران الكعبة من الداخل بالتساوي حتى يتم رفع السقف. انظر: التقرير المنشور في صحيفة (يمن برس) بتاريخ 9 ديسمبر عام 2016م، والمعنون بـ" 49 قطعة من أقوى الأخشاب بالعالم ترفع سقف الكعبة المشرفة".
(2) "حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة " (ص 589).
(3) ثبت علميًا تعدد درجات الرؤية لدى الثعابين بين ما هو ضعيف الرؤية لا يكاد يرى، وما هو متوسط الرؤية أو حاد الرؤية. انظر: "ويكيبيديا" مادة ثعبان.
(4) أي ملكًا باللغة الروهنجية، وربما يقصدون بها الغني.
(5) انظر قصة الزباء كاملة في "أمثال العرب" للمفضل الضبي (ص 143).
(6) كتاب "كل شيء عن الثعابين" ترجمة عبد الحليم كامل (ص 12-14)، والمهاميز هي: بقايا أطراف خلفية صغيرة مثل الأظافر تستخدم للمسك في أثناء عملية التزاوج.
(7) أول موسوعة عربية عن الثعابين.
(8) "عالم الثعابين" كامل محمد زيني بدوي ص:345
(9) مقال بعنوان "قصة من شتاء 1953م في محافظة أب اليمنية" (أسطورة ثعبان الجوهرة حقيقة لا يعرفها كثيرون!) نشر بتاريخ الأحد ١٤ أكتوبر ٢٠١٢م.