الخميس 23 شوال 1445 هـ | 02/05/2024 م - 09:36 مساءً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


سوكي.. القيادة الروحية والبراجماتية
الإثنين | 29/08/2016 - 08:38 صباحاً

بانكاج ميشرا - الاتحاد الاماراتية
الجمعة 26 أغسطس 2016

أصبحت يانجون عاصمة ميانمار التي كانت تسمى بورما فجأة مدينة الهواتف الذكية الكبيرة. فلم أشاهد في مكان آخر في آسيا ولا أوروبا مثل هذا العدد الهائل من الهواتف الذكية كبيرة الحجم في الشوارع. وبالنسبة لكثيرين في بلد منعزل كهذا فإن الجيل الرابع من الهواتف الذكية هو أول جرعة يتذوقونها من رفاهية الاستهلاك الحديث. وانتشار الهواتف الذكية يوحي فيما يبدو بأن هناك «قفزة تقدم» تقطع فيها الدول المتخلفة اقتصادياً خطوات مختصرة نحو الحداثة والمباهج الحضرية.

صحيح أن الإنتاج المحلي الإجمالي لميانمار قد يحقق نمواً بمعدل 8 في المئة، ولكن في هذه البلاد التي يعمل 70 في المئة من سكانها في الإنتاج الزراعي منخفض العائد قد تصبح التحديات الاقتصادية على طريق التحديث إلى عقبات شاقة ومضنية، فالبلاد تعاني من الافتقار إلى البنية التحتية، ومن تداعي ما هو موجود منها، ومن القوانين التي عفّى عليها الزمن، والعمال المفتقرين للمهارات، والعائدات المنخفضة من الضرائب، والعجز في الموازنة، ونسبة التضخم المرتفعة. وما زال سكان المدن يعانون يومياً من انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، والافتقار للمساكن، وتكدس حركة السير. كما تسحق الديون كثيراً من سكان الريف أيضاً.

وميانمار أبعد ما تكون عن تحقيق قفزة تقدم بعد تحررها في الآونة الأخيرة جزئياً فحسب من الحكم العسكري، فالبلاد تصعد سلماً حاد الانحدار تحت قيادة أول حكومة منتخبة منذ أكثر من 50 عاماً. وقد انتهت أول تجربة في الحكم الذاتي مثل دول كثيرة أخرى متعددة الأعراق في آسيا وأفريقيا بحرب أهلية وتمكين للجيش من السلطة لتنتهي بانقلاب عسكري في عام 1962. ونتيجة ثاني تجربة ديموقراطية ما زالت تتوقف في جانب كبير منها على الطريقة التي سيتعامل بها زعماء ميانمار الجدد مع الأقليات المثيرة للاضطرابات في البلاد.

وحالياً تتولى أونج سان سوكي، زعيمة ميانمار الشهيرة، منصب مستشار الدولة ووزير الخارجية وعدد من الحقائب الوزارية الأخرى في محاولة للتحايل على عقبة دستورية تمنعها من تولي رئاسة البلاد. وذهبت سوكي في الآونة الأخيرة في زيارة للصين في أول رحلة لها خارج جنوب شرق آسيا بعد تولي حزبها «الرابطة الوطنية للديموقراطية» السلطة إثر فوزه بالانتخابات قبل أربعة أشهر، ولكن أكبر التحديات أمام سوكي تنتظرها في الداخل.

وتعد المشاعر المعادية لمسلمي ميانمار سبباً في واحد من أشد الصراعات الطائفية ضراوة، وتمثل أكبر تحدٍّ أمام سوكي. ففي عام 1982 جرد الحكم العسكري السكان المسلمين في ولاية راخين بغرب البلاد من جنسيتهم، رغم وجودهم في البلاد منذ قرون. وفي الآونة الأخيرة في فترة الانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني شهدت ميانمار انفجاراً للكراهية ليس فقط في راخين التي قتل فيها الغوغاء خلال عام 2012 عشرات من مسلمي الروهينجا وأخرجوا 100 ألف من ديارهم، لكن سجلت أيضاً في مناطق أخرى من البلاد. والعمل بالديموقراطية الانتخابية هذا العام، ومنح سلطة لرمز دولي مثل سوكي، قد لا يبشر بالضرورة بحدوث تغيير في ظروف الأقليات المحاصرة. وحتى الدلاي لاما عبر عن خيبة أمله من صمت سوكي عن محنة مسلمي الروهينجا.

وما زالت أعمال عنف الغوغاء المتفرقة تدفع المسلمين للبحث عن اللجوء إلى مخيمات أو إلى ركوب قوارب تبحر بهم إلى ماليزيا وتايلاند وإندونيسيا في رحلات محفوفة بالمخاطر يديرها مهربون مبتزون ونادراً ما تنتهي بسلام. وفي الآونة الأخيرة قابلت ابنة مشرع سابق في ولاية راخين كانت قد فرت من راخين بعد أن دفعت رشوة لموظف هجرة. وهي متشائمة مثل كثيرين بشأن قدرة سوكي على حسم القضية، أو استعدادها لذلك. ومن المؤكد أن سوكي رغم شعبيتها الواسعة، سيتعين عليها السير بحذر وسط حقل ألغام المزاعم والمزاعم المضادة.

وينبغي الانتباه أيضاً إلى أن قوى العولمة الثقافية والاقتصادية تؤدي إلى تفاقم المشاعر المنفلتة في ميانمار. وهذه القوى التي تعيد ترتيب الهويات السياسية شجعت على ظهور تناقضات واضحة مثل البوذية «المسلحة» التي تنتعش على الشعور المعادي للمسلمين واسع الانتشار! وسيولة الأوضاع في البلاد تحمل بعض المخاطر وتتطلب قيادة روحية وبراجماتية سياسية في الوقت ذاته. والعودة إلى الحكم العسكري غير مقنعة فيما يبدو في هذه المرحلة، ولكن التركيز الشديد للسلطة في يد زعماء مدنيين قمعيين قد يؤجج المشاعر الطائفية في بلد متعدد الأعراق. وأفضل طريقة للتصدي لهذه المشاعر هي احتواء القوميات الفرعية الكثيرة في البلاد من خلال منح حكم ذاتي أكبر، والعمل بالنظام الفيدرالي كما فعلت إندونيسيا.

وسوكي سجينة سياسية سابقة وكانت مضرباً للمثل في الشجاعة والتمسك بالمبدأ. وعليها الآن أن تضرب مثالاً مختلفاً في ترسيخ ديموقراطية بلادها الناشئة باستخدام السلطة بطريقة حكيمة، أو بعبارة أخرى بمشاركة السلطة على نطاق واسع.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث