الأحد 26 شوال 1445 هـ | 05/05/2024 م - 09:08 مساءً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


الأصور: العالم مزدوج المعايير فيما يخص الأقليات الإسلامية
الأحد | 22/02/2015 - 08:55 صباحاً

وكالة أنباء الروهنجيا - (رسالة الإسلام):

حوار: عماد عنان

 

لا ينكر منصف بشاعة ما يتعرض له المسلمون في شتى دول العالم- شرقا وغربا – من انتهاكات وحشية، وحرب إبادة في بعض الأحيان، في ظل صمت دولي مخيب للآمال - وبالرغم من انتفاضة العالم لمقتل قطة هنا أو تشريد كلب هناك، إلا أنه يغض الطرف تماما عن مقتل المئات من المسلمين في بورما وإفريقيا الوسطى والصين ونيجيريا وغيرها من البلدان، لذا كان الوقوف على واقع الأقليات المسلمة في دول العالم المختلفة، وموقف العالم الإسلامي والمجتمع الدولي منها، أمرا في غاية الأهمية، وهو ما سيتم التطرق إليه من خلال هذا اللقاء مع المفكر الإسلامي والخبير الاستراتيجي خالد الأصور، والذي أكد أنه بالرغم من سوء واقع الأمة في الفترة الأخيرة إلا أن الصورة لم تكن قاتمة بالشكل الذي يدعو إلى الإحباط ويجعل اليأس يتسلل إلى نفوس المسلمين، متفائلا بأن المستقبل أفضل، وأن الإسلام قادم بإذن الله ... وإلى نص الحوار.

* كيف تقيمون واقع الأمة الإسلامية في هذه الآونة؟

** واقع العالم الإسلامي اليوم هو واقع مؤلم لكل مسلم، وحين نتحدث عن (العالم الإسلامي)، فإننا للأسف نتحدث عنه باعتباره حقيقة جغرافية وتاريخية .. ولكن ليس له الآن حقيقة واقعية .. فقد أنهكته الحروب مع دول غير مسلمة .. بل فيما بين الدول المسلمة .. وأنهكته الصراعات العرقية والمذهبية الداخلية .. وأنهكه التمزق السياسي والحزبي .. ويحدث كل هذا بالتوازي مع تخلف علمي يزيد من الضعف الاقتصادي، رغم ما أنعم الله به على العالم الإسلامي من خيرات لا تتوافر لدى الأمم الأخرى، من مساحات شاسعة، وأجواء ساطعة، وشواطئ ممتدة واسعة، وما تحويه أراضيه وبحاره من معادن ونفط وغاز .. فضلا عن الثروة البشرية الهائلة التي أصبحت عبئا على التنمية بدلا من أن تكون داعما لها، في ظل فشل الحكومات.

وهذه الحكومات جميعها ـ إلا استثناءات تعد على أصابع اليد الواحدة ـ هي نتاج الشعوب، تعاني خللا هائلا في بنيتها ومنطلقاتها وتوجهاتها، وهي تراكم التخلف عقدا بعد آخر، والعالم يتقدم بسرعة الضوء، وإذا اعترفنا بأن ثمة تحديات خارجية هائلة في ظل الصراع الحضاري التاريخي، وهي حتما تعوق الدول الإسلامية عن النهوض، ولكن هذه التحديات لم تكن لتستمر إلا لخمول وتكاسل واستسلام العالم الإسلامي ـ حكاما ومحكومين ـ لهذه التحديات، دون محاولة الإفلات منها ومواجهتها .. فالتخلف ليس قدرا محتوما يلاحق أمة بعينها .. وكم من أمم وشعوب أفلتت من التخلف حين ملكت ناصيتها بيدها وامتلكت إرادتها.

ولكن الصورة أيضا ليست قاتمة إلى حد بعيد .. فقد استيقظت الشعوب العربية فثارت علي الأنظمة الفاسدة في بعض البلدان .. وخلعتهم عن الحكم .. ولئن تآمر الشرق والغرب وذيولهما في الداخل على هذه اليقظة العربية، وظن أنه قضى عليها بإعادة ذيوله مرة أخرى إلى الحكم، فإنهم واهمون، لأن دورة الصراع بين الحق والباطل لا تنتهي في جولة أو جولتين .. وسيأتي يوم، لعله قريب، تردد فيه الشعوب العربية، بل شعوب العالم الإسلامي بأسره: وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.

 

* كيف ترون أحوال الأقليات الإسلامية في المجتمعات الغربية، والتحديات التي تواجههم؟

** يثير كثير من الباحثين قضية الوجود الإسلامي في قلب المجتمعات الأوروبية، فيما يطلقون عليه حدودا جديدة لديار الإسلام، أو "ضواحي الإسلام" بتعبير المستشرق الفرنسي البارز "جيل كيبل"، في إشارة إلى تنامي الحضور الإسلامي في أوروبا مع الاختلاف في الوزن الكمي له من بلد إلى آخر، بحيث أصبحنا إزاء كتلة إسلامية تدين بالإسلام وتمارسه في واقعها اليومي في القارة الأوروبية.

وقد يتحقق الشق الثاني لمقولة أو "نبوءة" الإمام والعالم التركي الشهير الراحل بديع الزمان سعيد النورسي في بدايات القرن الميلادي الماضي: "إن الدولة العثمانية حبلى بدولة إسلامية، وستلد يوما، وإن أوروبا حبلى بدولة إسلامية، وستلد يوما" .. وإذا كان الشق الأول من النبوءة قد تحقق ، بحيث ولدت الدولة العثمانية تركيا التي لحقت بأوروبا، فإن الشق الثاني يخشى الأوروبيون من أن يتحقق عبر انتشار الإسلام من ناحية ولو بشكل بطيء، ومن ناحية أخرى عبر تزايد كثافة المسلمين هناك في ظل تراجع شديد في خصوبة الأوروبيين، مع استقدام هجرات جديدة من البلدان الإسلامية تحتاج تلك البلدان إليها لاستمرار التنمية الاقتصادية.

إن قضية الجاليات الإسلامية في الغرب بشكل عام، من أهم القضايا الإسلامية حيوية، لأنها تمس أوضاع ومصالح عشرات الملايين ملايين المسلمين خارج أوطانهم الأم، حيث يعانون الكثير من المشاكل التي يسببها لهم الإحساس بالاغتراب، وما له من تداعيات ثقافية واجتماعية.

وربما تنبع أبرز التحديات التي تواجه المسلمين في أوروبا من أن الحكومات الأوروبية المتعاقبة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومع سماحها بتدفق العمالة من البلدان الإسلامية إليها للمساهمة في نهضة البلاد، وتضاعف أعداد المسلمين لترتفع من عشرات الآلاف إلى عشرات الملايين، لم تكن هناك خطط حكومية موازية لاستيعابهم اجتماعيا وتوفير سبل اندماجية طبيعية وغير قسرية في المجتمع الألماني، ومن ناحية أخرى فإن تنوع الخريطة الجغرافية للمسلمين هناك، وقدومهم من بلدان عربية وإسلامية مختلفة، رافقته صعوبات وعراقيل في توحيد مواقفهم أمام الدول الأوروبية والمجتمعات فيها على حد سواء، مما فاقم من التحديات التي تواجههم وما يترتب عليها من آثار سلبية، وهي تحديات تنبع في جانب مهم منها من موروثات تاريخية وثقافية، تجسدت في تعامل حذر بل أقرب إلى التشكيك والاتهام والأحكام المسبقة تجاه الجالية المسلمة.

ومما فاقم من تلك التحديات غياب التشريعات والقوانين التي تعترف بالوجود الإسلامي، وتكفل الحقوق الدينية والمدنية للمسلمين بما يتوافق مع معتقداتهم، وهذه الأجواء سهلت للوبي الصهيوني وبعض الأحزاب والجماعات المناهضة للوجود الإسلامي في أوروبا نشر ظاهرة التخويف من الإسلام، أو ما يطلق عليه (الإسلاموفوبيا).

في المجتمع الأوروبي صار المسلم قضية الساعة، فإذا تحدث الناس عن البطالة أقحم المسلمون على أنهم السبب في تفشيها، رغم إن غالبيتهم يعملون في الأعمال الشاقة التي يأنف منها الأوروبيون، مثل: المناجم، شق الطرق، وسائر الأعمال الخطرة، وإذا استعر النقاش حول مشاكل البيئة زُجً بهم أيضا، لأن "ذبائحهم الحلال" سبب القذارة .. ناهيك عن الصيحة المدوية (الإرهاب الإسلامي!) .. ورسم صورة نمطية للعربي والمسلم في الإعلام الغربي باعتباره محترفا بل وربما محتكرا للعنف والإرهاب!

 

* مسلمو بورما نموذج لما تتعرض له الأقليات الإسلامية من اضطهاد .. كيف ترون تعامل المجتمع الدولي، بما فيه الإسلامي، فضلا عن الحكومة البورمية،  إزاء هذه القضية؟

** مجددا، يتعرض مسلمو إقليم أراكان بدولة بورما (ميانمار) ـ التي تقع بين الهند وبنجلادش والصين ـ لأبشع حملة إبادة من جماعة "الماغ" المتطرفة، حيث تنتشر الجماعات الراديكالية البوذية في أماكن تواجد المسلمين بعد إعلان بعض الكهنة البوذيين الحرب المقدسة ضد المسلمين، والتي تعد الأشد في تاريخ استهداف المسلمين في بورما، وقد وصل الإسلام إلى أراكان في القرن السابع الميلادي, وأصبحت دولة مسلمة مستقلة, حتى قام باحتلالها الملك البوذي البورمي (بوداباي) عام 1784م وضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة, ودمر كثيراً من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس، وقتل العلماء والدعاة.

ويبلغ عدد سكان بورما أكثر من 50 مليون نسمة، منهم 15% مسلمين، يتركز نصفهم في أراكان، وأعادت الأحداث الدامية الأخيرة مآسي الاضطهاد التي كابدها أبناء ذلك الإقليم المسلم منذ 70 عاماً بدعم ومباركة الأنظمة البوذية الدكتاتورية في بورما، التي أذاقت المسلمين الويلات وأبادت أبنائهم وهجروهم قسراً من أرضهم وديارهم، ففي عام 1942 تعرض المسلمون لمذبحة كبرى على يد البوذيين الماغ، راح ضحيتها أكثر من مائة ألف مسلم وشرد مئات الآلاف، كما تعرض المسلمون للطرد الجماعي المتكرر خارج الوطن بين أعوام 1962م و1991م، حيث طرد قرابة 1.5 مسلم إلى بنغلادش في أوضاع قاسية جداً.

ولا يزال مسلمو أراكان يتعرضون للقتل والتهجير والتشريد والتضييق الاقتصادي والثقافي ومصادرة أراضيهم، بل مصادرة مواطنتهم بزعم مشابهتهم للبنغاليين في الدين واللغة والشكل وذلك لإذلالهم وإبقائهم ضعفها فقراء وإجبارهم على الرحيل من ديارهم، وبدأت المأساة الجديدة مع إعلان الحكومة البورمية منح بطاقة المواطنة للمسلمين في أراكان، مما سيؤثر على نتائج التصويت في الانتخابات لصالحهم في الإقليم، فقام البوذيون المتطرفون بقتل عشرة من دعاة بورما المسلمين لدى عودتهم من العمرة, وبرروا جريمتهم بادعاء أن أحد المسلمين اغتصب فتاة بوذية وقتلها!

وبالطبع كان موقف حكومة بورما مخجلاً ومتواطئاً مع البوذيين ضد المسلمين، ورغم مناقشة قضية أراكان في الأمم المتحدة ومنظمة آسيان ومنظمة التعاون الإسلامي والأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؛ إلا إن الأوضاع تزداد سوءًا، بل إن رئيس بورما "ثين سين" تنكر لاعتبار مسلمي أراكان مواطنين، في ظل صمت العالم عن الجرائم التي ترتكب بحق الأقلية المسلمة في بورما التي تعد بحسب الأمم المتحدة أكثر الأقليات في العالم معاناة من الأنظمة المتعاقبة في بورما، وتتهم منظمة العفو الدولية سلطات بورما والمتطرفين البوذيين بشن هجمات على المسلمين وقتلهم وتدمير ممتلكاتهم.

والواجب على منظمة التعاون الإسلامي بذل جهود جادة وليست بروتوكولية لاتخاذ موقف جماعي قوي من الدول الإسلامية بتقديم كافة أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والإغاثي لمسلمي بورما، والضغط على حكومة بورما لمنحهم حقوق المواطنة كاملة وتمكينهم من العيش على أرضهم آمنين مطمئنين.

لقد شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تقسيم السودان المسلم ونشأة دولة جنوب السودان الوثنية المسيحية، وقبلها نشأة دولة تيمور الشرقية المسيحية وفصلها عن إندونيسيا المسلمة، أما المسلمون المضطهدون في بورما وغيرها فلا بواكي لهم!

 

* كيف ترون الدعم الإسلامي العربي لهذه للأقليات المسلمة في العالم؟

** إن ضياع كثير من الحقوق المشروعة للأقليات المسلمة مردّه جهل أغلب المؤسسات ذات الصلة في عالمنا العربي والإسلامي بهذه الحقوق، وعدم مبالاتهم بالمطالبة بها، وهي حقوق لا تمنح للجاليات بسهولة، فعالم اليوم غابة لا مكان فيها للضعفاء أو المتخاذلين أو المترددين، وستبقى الجالية المسلمة عنصرًا منفعلاً لا فاعلاً، وستظل عاجزة عن التأثير في المجتمع الألماني الذي تعيش فيه، وواقعة تحت تأثير الآخرين، ما لم تُفكَّر أو يُفكَّر لها، وتوجَه صوب أهداف ومراكز فاعلة.

ورغم بعض الجهود التي تقوم بها بعض المنظمات الأهلية والحكومية في العالم العربي والإسلامي لدعم تلك الأقليات، إلا إنها تبقى دون المأمول بكثير، وينبغي أن يبرأ هذا الدعم من وباء القومية والغرض، بمعنى أن يكون الدعم خالصا لوجه الله وخدمة تلك الجاليات، وليس للإشادة بدولة ما أو حاكمها، أو دعما لقومية معينة دون أخرى، عربية أو كردية أو تركية.

إن الأقليات المسلمة تمثل "الثغر الإسلامي" الذي هو عبارة عن "وحدة" من الأمة تعيش في غير ديار الإسلام، وإذا كان مفهوم الثغر قديما مفهوما جغرافيا، فإنه اليوم يمكن أن يكون جغرافياً أو حضارياً، ما يحتم علينا ـ حكومات وشعوب ومؤسسات وأفراد ـ دعم هذه الأقليات ومراكزها الإسلامية وكافة مؤسساتها، ومساعدتها في تقديم نموذج واع يعبر عن حقيقة الإسلام وروحه، ويتلافى أوجه القصور التي تلف واقع العمل الإسلامي إلى آفاق جديدة تتلمس فرصا لإنضاج عمل متقدم، ونمو بذرة مثمرة وعطاء مستمر لقضايا المسلمين هناك.

لذلك يتعين أن يأخذ الأمر وجهة مدروسة، وجهودًا منظمة، واستثمار فرص الحرية النسبية المتاحة في المجتمع الألماني، ليس كمناخ لنمو الخلافات والنزعات الإقليمية والولاءات السياسية كما هو واقع حاليا، بل لإنبات بذور مثمرة وداعمة لقضايا الجالية.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث