الإثنين 20 شوال 1445 هـ | 29/04/2024 م - 02:13 صباحاً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


مسلمو أراكان ينادونكم فهل من مجيب؟
الأربعاء | 17/10/2012 - 12:35 مساءً

كتبه: أبو عبد الله صديق

بسم الله الرحمن الرحيم

أعندكم نبأ عن أهل أراكـــان فقد سرى بحديث القوم ركبـــان
كم يستغيث بنا المستضعفون وهـم قتـلى وأسرى فما يهتز إنســـان
لمثل هذا يذوب القلب من كــمد إن كان في القلب إسلام وإيمـــان
الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام، وبعث إلينا خير الأنام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي أوصانا بالتراحم والتعاضد، وأن يشد بعضنا أزر بعض، وأن نكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وحذرنا من عدم الاهتمام أو قلة المبالاة بأمور المسلمين بقوله في بيانه الشافي: "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
وإن من يطلع على أوضاع المسلمين و الأقليات منهم خاصة في مختلف بقاع الأرض، لا جرم يصاب بالأسى والألم والحسرة ،لما يعانونه من ألوان البلايا وصنوف الرزايا ،على غفلة من إخوانهم المسلمين وعدم إحساس منهم بالمسؤولية.
وإني في هذه العجالة أود أن أعرض مأساة إخوانكم المسلمين في أراكان بورما، وذلك من واقع المشاهدة الميدانية والمعايشة المباشرة، إنها مأساة حقيقية في أراكان المسلمة ، الشعب المسلم المشرد عن أرضه ووطنه والمحروم من أبسط الحقوق الإنسانية ، إذ لا ثمن لدمائهم ، كأنهم في سجن كبير، وفي تحت اللاإنسانية، ويتعرضون أنواعا شتى من الظلم والتشريد والقتل والاضطهاد المتواصل والقتل والإبادة الجماعية المنتظمة ، وكثير من العراقيل والصعوبات في جميع مراحل حياتهم الدينية والتعليمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية من قبل حكومة بورما الشيوعية العسكرية، وإلى غير ذلك من المظالم التي لا يخطر ببالكم.
فأين حقوق الإنسان في هذا القرن المزدهر ؟ وأين المتشدقون بالحرية والديمقراطية؟ إنه الصمت الرهيب، بل الرضاء والقبول، والدعم والتأييد؛ لأنه دم مسلم، فما دام مسلما فدمه رخيص في أراكان، وفي فلسطين والعراق وأفغانستان و كشمير وفي كل مكان.
أما في المخيمات اللاجئين في دولة بنغلادش، فحدث عن النازحين بلا حرج! مئات الآلاف نازح ، آلاف من الأطفال يعيشون في ثياب بالية ، ووجوه شاحبة ، وأقدام حافية ، وعيون حائرة غائرة، كثير منهم من العذارى اللائي يبكين دماء العفة، التي انتهكت في معسكرات الجنود الكفرة الفجرة، ويبكين رجالهن الذين يأخذون ويعلقون على جذوع الأشجار بالمسامير وتقطع أنوفهم وآذانهم و يفعل بهم الأفاعيل.
وعبر الشاعر العشماوي حيث قال:
ولا تعجب إذا ضاعت حقوق      وأودعت في السجون الأبريــــاء
ولا تعجب إذا ظلم اليتـامـى       ولا تعجب إذا انكشف الغــــطاء

المسلمون في أراكان بورما أكثر من سبعة ملايين ، ويمثل بـ 70% نسمة من سكانها، لكن الممارسات الوحشة من الحكومة البوذية الظالمة ، من تطهير عرقي، وتهجير قسري من المدن والقرى ، حول هذه الكثرة الكاثرة اضطروا إلى ترك بلادهم ومسقط رأسهم لاجئين في البلدان المجاورة ، حفاظا لدينهم وعرضهم بدون أي ذنب إلا أنهم مسلمون يدينون بدين الله والواحد قهار ! كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحمد).
لقد دخل الإسلام في أراكان من عهد هارون الرشيد في القرن الثاني الهجري، القرن السابع الميلادي ، فاعتنق الإسلام عدد كبير من السكان المحليين يعرفون بـ "الروهنجيا" ثم مازال هذا العدد في تزايد إلي أن أصبح الإسلام دين الأغلبية فيها ، و يعود قيام أول دولة إسلامية في أراكان إلى عام 1430 م استمرت بعدها تنعم بحكم الإسلام 350 عاما تعاقب خلالها على الحكم 48 ملكا وسلطانا مسلما ، طبقوا فيها الشريعة الإسلامية الغراء ، وحكموا بالإسلام قروناً طويلة في شؤونهم العامة والخاصة حتى اغتصبتها حكومة بورما بقيادة البوذي المتطرف "بوده فيا" عام 1784م ثم جاء الإنجليز ! ومن المعلوم أن الاستعمار الإنجليزي لا يحل في مكان إلا زرع فيه بذور الفتن ، والخلافات الطائفية، فقد قام الإنجليز بالوقوف مع البوذيين ومساعدتهم وحرضوهم على قتل المسلمين في أراكان، فكانت نقطة البداية لحملات الإبادة والطرد التي استمرت إلى يومنا هذا (والله المستعان).
بعض صور الجرائم التي ارتكبتها الحكومة البوذية منذ احتلالها أراكان :
من تلك الجرائم البشعة، التي قامت بها الحكومة البوذية من إعلان برامج تصفية المسلمين بعنوان " برامج التخلص من الأجانب " معتبرة المسلمين أجانب ودخلاء على جسم المجتمع البوذي ! ولقد استعملت في ذلك من كافة وسائل الإرهاب والقتل والتنكيل والتصفية والإبادة والهتك للأعراض، ما يفوق التصور، مستعينين في ذلك بخبراء من اليهود وجنود متخصصين، وهي حقائق بلغت من الوضوح أن قامت بعض الصحف المنصفة بنشرها، فانظروا كيف يعاون بعضهم بعضا ضد المسلمين!
وفي عام 1928م هاجر من مسلمي أراكان 30 ألفاً، وفي عام 1942م عام حزن لا يمكن الشعب الروهنجيا نسيها فقد وقعت فيه مذبحة عامة لم ينج منها شيخ فان ولا طفل ورضيع حيث ذهبت مائة ألف ضحية أبرياء وهاجر ما يقارب هذا العدد أيضا.
ولما انسحب الإنجليز في عام 1942م خلال الحرب العالمية الثانية ،أعلن مسلمو أراكان الحكومة الإسلامية، ثم جاءت اليابان بمباركة ودعم البوذيين من أهل أراكان فاحتلتها ؛لتبدأ حملات التنكيل من جديد واستمر هذا الوضع المأساوي إلى أن عاود الإنجليز احتلالها للمرة الثانية عام 1945م، بعد انتهاء الحرب لتبدأ حقبة الاستعمار الإنجليز ي الثاني بما فيه من مآسي لم يعرف مصيرها، ثم لما قرر الإنجليز منح الاستقلال لأراكان ، رأوا ضمها إلى بورما لتصبح تحت نيران السيطرة البوذيين من عام 1948 م إلى يومنا هذا (وإلى الله المشتكي ).
وهكذا تسلم البوذيون زمام المبادرة من أسلافهم الإنجليز ،ليستمروا في تنفيذ ما خططوه من سياسات خبيثة ضد المسلمين ، من تهجير قسري ومصادرة للأراضي ،ولقد بلغ عدد النازحين إلى بنغلادش ابتداء من عام 1950 م 30 ألفا ، كما ارتفع هذا العدد إلى 62ألفا في العام 1962م
وفي عام 1965م بلغت مأساة شعب أراكان ذروتها عندما تولى الجيش البورمي الشيوعي الحكم المباشر على الدولة، فمنذ ذلك اليوم والمسلمون في أراكان يعانون كل أشكال القهر والاستعباد والقمع والإرهاب وفي عام 1991م تفاقمت الأوضاع أكثر عندما استغلت حكومة بورما الشيوعية انشغال العالم الإسلامي باحتلال العراق لدولة الكويت ،فأقامت المجازر والمذابح ا لتي تجاوزت كل الحدود ، إذ لم ترحم طفلاً رضيعاً ولا شيخاً مسناً ولا امرأة كبيرة ، ولقد هدموا البيوت والمساجد التاريخية القديمة ، و هجّروا أكثر من 300000 مسلم إلى حدود بنغلاديش حيث تركوا في العراء يواجهون البرد القارص والأمطار الغزيرة، والجوع والضياع، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ما أشبه الليلة بالبارحة ! ما أشبه ما يحل بالمسلمين في الشيشان الآن بما يحل بالمسلمين في أراكان وفلسطين منذ نصف قرن ، وكأننا في يوم الأحزاب حين هبت قوى الكفر والضلال كلها بقيادة قريش لتحاصر المدينة المنورة ، فينهض من لا ينطق عن الهوى ليقول لأصحابه الكرام قولته المأثورة :"رمتكم العرب عن قوس واحدة " ومع ذلك تظل الحقيقة هي أن أراكان لم ولن تكون ولاية بورمية .
وإليكم فيما يلي نماذج لبعض الممارسات الشنيعة التي ترتكبها البوذية الحاكمة ضد المسلمين في أراكان، مما سيساعد على المزيد من التجسيد للوضع المأساوي الذي يمر به المسلمون في هذا البلد المنسي:
أ/ فمن الناحية الدينية؛ فإنهم يقومون بعدة ممارسات أهمها:
(1) هدم المساجد وتحويلها إلى مراقص وخمارات ودور سكن .
(2) يتعرض العلماء والدعاة وطلبة العلم للامتهان والضرب والاعتقال.
(3) عدم السماح للدعاة بالانتقال من مكان إلى مكان آخر لممارسة الأنشطة الدعوية، كما لا يسمح بدخول العلماء والدعاة من الخارج للقيام بالدعوة والإرشاد بين إخوانهم المسلمين.
(4) مصادرة أوقاف المسلمين ومقابرهم وتحويلها إلى مراحيض عامة أو حظائر للخنازير والمواشي.
(5) يدخل أفراد الجيش البورمي البوذي في المساجد بأحذيتهم ونجاساتهم حاملين زجاجات الخمر؛ تهييجا لمشاعر المسلمين .
(6) عدم السماح للمسلمين ببناء أو إصلاح المساجد و المدارس، التي تضررت بفعل الممارسات العدوانية أو تعرضت بالكوارث الطبيعية، كما لا يسمح لهم باستخدام مكبرات الصوت في الأذان .
(7) عدم السماح بأداء فريضة الحج للمسلمين باستثناء عدد قليل منهم ممن ترضى السلطات البورمية ا لبوذية عن سلوكهم، وهذا من باب الدعاية أيضاً .
ب/ من الناحية الاجتماعية :
(1) صدر في عام 1982م قانون جديد للجنسية والهجرة ،وبموجبه قرر أن شعب أراكان المسلم شعب دخيل على المجتمع البوذي ، وعليه فهو شعب بلا وطن ،فليس لهم حق تملك العقارات في الدولة ولا ممارسة الوظائف في الدوائر الحكومية والمؤسسات .
(2) إجبار الفتيات المسلمات على الزواج من البوذيين .
(3) إصدار توجيهات من قبل السلطات البوذية تهدف إلى نشر الانحلال الأخلاقي وتحويل المجتمع المسلم إلى مجتمع إباحي .
(4) ترويج الخمور وإشاعة الفاحشة بين الشباب المسلمين خاصة وعلى نفقة الحكومة .
(5) إرغام المسلمين على العمل بدون تعويض، كبناء السدود، وحفر الخنادق للجيش، وحمل بضائعهم إلى المناطق الجبلية النائية.
(6) إقامة مستوطنات بوذية جديدة بين قرى المسلمين بهدف تغيير التركيبة السكانية في أراكان، خاصة في المناطق التي يشكّل المسلمون فيها الأغلبية العظمى من السكان.
(7) منع الزواج إلا بالموافقة من الجهات الخاصة
(8) منع الزواج إلا بعد (25) سنة للزوج و (20) سنة للزوجة.
(9) منع تعدد الزوجات منعا قاطعا ومنع توليد الأطفال إلا اثنين.
(10) التزام العريسة بأخذ إبرة منع الحمل وذلك من أطباء خصوصيين أنشئت لذا الغرض ويتجول الأطباء باستمرار في مناطق المسلمين ويضربون إبرة منع الحمل بحيلة ومكر.
ج/ من الناحية الاقتصادية:
(1) مصادرة أراضي المسلمين وأوقافهم وإقامة معابد البوذيين ومستوطناتهم عليها.
(2) حجز مزارع وقوارب صيد الأسماك التابعة للمسلمين ومصادرتها لأدنى سبب.
(3) عدم السماح للمسلمين ببيع محاصيلهم الزراعية ،مما يؤدي إلى خسارتهم ومن ثم تضييق سبل المعيشة عليهم.
(4) منع المسلمين من مزاولة التجارة مطلقا بكل الأشكال والألوان سواء في داخل المحافظات أو خارجها ، مثل استيراد البضائع وتصديرها ، و امتلاك المحلات التجارية.
(5) عمليات السلب والنهب لأموال المسلمين تتم بمشاهدة جنود الحكومية وتحت إشرافهم المباشر.
(6) إلغاء العملات المتداولة من حين لآخر، دون تعويض المسلمين عما خسروه منها.
(7) إحراق محاصيل المسلمين الزراعية، وقتل مواشيهم.
(8) عدم السماح للمسلمين بإقامة المشاريع الصناعية أو الإنشائية أو الإغاثية .
(د) من ناحية السياسة:
(1) حق الحياة بالنسبة للروهنجيا (المسلمين ) معدوم إذ يجوز قتل المسلم بأدنى سبب وبشكل اعتباطي ، إما بواسطة العسكريين ، أو المليشيات ، أو متخصصين في سفك الدماء ، دونما محكمة أو احتكام إلى قانون.
(2) أما حق الاحتجاج ضد الظلم : فلا خطر فيه للمسلم الذي قد يتعرض للضرب المبرح إذا جرأ على تقديم شكوى سواء إلى الشرطة أو إلى محكمة جراء ما يلقاه من ظلم وعدوان ، وقد تختلق ضده تهمة مهلكة زورا وبهتانا .
(3) أما حق حرية التعبير فمعدوم أيضا إذ يمنع مسلمو (الروهنجيا ) في أراكان تماماً من التجمع أو التعبير عن رأيهم ، كما لا يسمح لهم بالاتصال بوسائل النشر لنقل أوضاعهم المأساوية لوسائل الإعلام العالمية ، فضلا عن منع تلك الوسائل من دخول أراكان والاطلاع على تلك الأوضاع .
(4) أما حق تنظيم الاتحادات والجمعيات ؛ فمنذ العام 1965م تم حظر كل تنظيم له صبغة اجتماعية أو ثقافية فضلا عن السياسية أو الدينية ،مما ترك المسلمين مشتتي الجهود بلا تنظيم يجمعهم أو يضبطهم .
(5) أما حق المساواة ؛أن الحكومة البورمية أعطت تعليمات واضحة للجهات المختصة بعدم معاملة مسلمي الروهنجيا بشكل متساوٍ مع غيرهم من الطوائف الدينة الأخرى، الأمر الذي ترك المسلم أمام القانون ، أدنى رتبة من الرقيق في العديد من المعاملات .
* هذه بعض الحالات التي يعيشها المسلمون في أراكان ، وبموجب حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " فإن مأساة أراكان وقضية الشعب البورمي ليست مأساة وقضية شعب واحدٍ ، بل هي مأساة جميع الأمة الإسلامية .
إن قضية هذا الشعب تشكل محنة مركبة ومضاعفة ، وهي كارثة إنسانية كبيرة ، وجريمة في حق المجتمع الدولي وضد القانون الدولي ، وإن إبادة هذا الشعب الأعزل لا يعتبر شأنا داخلياً يخص بورما وحدها ، لأنه يتعلق بحقوق الإنسان التي تنص عليها الأمم المتحدة ، ويزعم الغرب أنه يدافع عنها ، إنها مآسي يندى لها الجبين ويشيب لها الرأس ؛ وهي مع عظمها تقابل بغفلة المسلمين من جهة، وتعامي وسائل الإعلام من جهة أخرى.
فهذه مناشدة لكم - أيها الإخوة الأعزاء في كل مكان أن تقوموا بواجبكم الديني تجاه هؤلاء المسلمين المضطهدين في أراكان (بورما)،وأن تعملوا على إيقاف تلك الممارسات التعسفية والقمعية وحملات الإبادة المنظمة ضدهم، كما نناشد ـ إخواننا المسلمين في كل بلد أن يقفوا بجانب شعب أراكان في كفاحهم لاستعادة حقوقهم المغتصبة من الاستعمار البوذي البورمي ،وأن يمارسوا كافة الأساليب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية لإنقاذ ذلك الشعب الأعزل ، من الظلم والاضطهاد والبطش المنتظم ضدهم " وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر .. " إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر: أراكان اليوم


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث