الجمعة 17 شوال 1445 هـ | 26/04/2024 م - 12:14 مساءً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


مسلمو بورما.. في ظل أسوار الموت
الإثنين | 22/09/2014 - 08:39 صباحاً

احمد الخزاعي - البينة الجديدة
22 - 09 - 2014

ككل الصراعات عبر التاريخ البشري وطبيعة اشكالها واسبابها التي تظهر فيهما للعيان، نجد دائما ان هناك دوافع خفية تكمن بين طياتها تكون هي المحرك الرئيس لفصولها واحداثها، فمنذ نشوء الاديان على هذه الارض والقلة القليلة من الحروب والنزاعات قد اخذت بعدا سياسيا معلنا بين الناس في حراكهم عبر التاريخ، وان أغلبها قد طغى عليها البعد الاثني والعقائدي او اريد لها ان تكون كذلك، لكن من يبحث عن اسبابها الحقيقية الدفينة سيجدها عبارة عن مطامح شخصية او توسعية او صراع على السلطة وغيرها من الاطماع الدنيوية التي ليس لها اي علاقة بالدين لا من قريب ولا من بعيد.

والتاريخ متخم بالشواهد والحكايات التي تتحدث عن حروب وصراعات دموية جرت بين الشعوب والامم، اتخذت من الدين والعرق والعقيدة شعارا لها، وكان الهدف من ورائها اجندات سياسية، وزجت هذه الاسباب لخداع الناس واستغلال عواطفهم وحماستهم الدينية والقومية لصالح هذه الاجندات، ابتداء من ما يسمى بالفتوحات الاسلامية الى الحروب الصليبية وحروب البروتستانت والكاثوليك في اوربا، في القرون الوسطى وفي العصر الحديث، مجازر الهندوس والمسلمين في الهند بعد الاستقلال عام 1947، والهوتو والتوتسي في راوندا (1990 -1993)، وحرب البوسنة والهرسك التي حدثت بعد انهيار المعسكر الاشتراكي في اوربا الشرقية، اضافة الى النزاعات الاثنية والعرقية التي تجتاح القارة السمراء على امتداد تاريخها الحديث، وغيرها العشرات من الشواهد والاحداث، التي اغلبها سجلت حضورا واضحا للمحافل والمنظمات الدولية التي سعت الى حل هذه النزاعات ومعاقبة الجناة والمعتدين، لكن الذي يثير الاستغراب هو الصمت الدولي والاسلامي عن ما يحدث في جمهورية مينمار (بورما)، تلك الدولة المنغلقة على نفسها بسبب حكم العسكر لها منذ عام 1962، والواقعة ضمن دول الهند الصينية في جنوب شرق اسيا، وقد انتهج هؤلاء العسكر سياسة التطهير العرقي والديني ضد الاقلية المسلمة في البلاد لاسباب سياسية وبإسم الدين، الهدف منها السيطرة على مدنهم وقراهم، ومصادرة اراضيهم الزراعية واموالهم، وطردهم من البلاد، فقد قام هذا النظام بتهجير اكثر من ستمئة الف مسلم بورمي الى بنغلادش بين عامي (1978- 1992)، وكانت توضع علامات على القرى المهجر اهلها بانها قرى خالية من المسلمين، وكذلك قام بسحب الجنسية البورمية عن مسلمي بورما عام 1982 بحجة انهم متوطنون في بورما وليسوا مواطنين، واصدروا قوانين منعتهم من التعليم ودخول المعاهد والجامعات فيها، ما سبب الجهل والتخلف بين افراد هذه الطائفة التي تشكل خمس عشرة بالمئة من سكان بورما ذي الخمسة والخمسين مليون نسمة، الذين يسكن اغلبهم في اقليم راكان الواقع على خليج البنغال، والذي يعد امتدادا لسلسلة جبال الهملايا، وقد وصل الاسلام الى هذه البلاد بشكل رئيس ابان الحكم المغولي للهند، ويعتقد بعض المؤرخين ان بداية العداء بين المسلمين والبوذيين بدأ حين لجأ الابن الثاني لشاه جيهان الملك المغولي صاحب تاج محل الى بورما في القرن السابع عشر الميلادي، وبالتحديد الى اقليم راكان بعد ان خسر الحرب مع اخيه من اجل الاستيلاء على السلطة، وعندها آواه ملكها البوذي وطلب منه الزواج من ابنته، وتبعا للاعراف الدينية عند المسلمين رفض ان يزوجه كونه بوذي الديانة، عندها قام بقتله هو ورجال الاسرة المغولية، وسجن نسائها وموتهن جوعا في السجن، الا ان بعض الروايات تدل على ان الاسلام قد وصل الى هذه البلاد في ازمنة ابعد من ذلك بكثير، وهناك اسطورة تقول ان بعض التجار المسلمين في القرن الاول الهجري سافروا الى البنغال للتجارة، فغرقت سفينتهم هناك قبالة السواحل البورمية، والذين نجوا من الغرق عاشوا في بورما وتزوجوا من نسائها ونشروا الاسلام بين اهلها، وان الصحابي سعد بن ابي وقاص قد زارها للتجارة، الا ان هذه الروايات عائمة وغير ذات دلالة تاريخية رصينة، وان اول مملكة مسلمة نشأت في بورما هي في راكان واسسها سليمان شاه عام 1430، وقد تعاقب على حكمها ثمانية واربعون ملكا مسلما، ودامت ثلاثة قرون، ويشكل المسلمون هناك خليطا من الاعراق (صينيون وهنود واصول عربية وفارسية)، ويلقبون (الروهينجا)، الذين يبلغ تعدادهم اليوم اكثر من ثمانية ملايين نسمة، وان الكثير من المسلمين قد دخلوا بورما بعد الاحتلال البريطاني لها عام 1824ميلادي وهم الهنود حيث استقدمتهم السلطات البريطانية معها كموظفين ادارة وعمال وجنود، وقد تركت معظمهم بعد الاستقلال عام 1948، وعلى الرغم من تعدد الاعراق لدى هذه الطائفة فان البوذيين ينظرون اليهم على انهم حالة واحدة، وأثناء احتلال بريطانيا لهذا البلد سعت الى تاجيج الصراع بينهم وبين البوذيين من (مبدأ فرق تسود)، وخصوصا بعد تنامي الحركات الوطنية المطالبة بالاستقلال والمدعومة من اليابان كحركة (الرفاق الثلاثون) التي تاسست عام 1940، والتي طالبت بخروج القوات البريطانية من بورما، وحدد الكاتب البريطاني موريس كوليس في كتابه (المحاكمات في بورما) الاسباب الحقيقية للصراع الاثني في بورما الذي استند فيه الى اجزاء من فصول الكتاب الابيض للحكومة البريطانية الصادر عام 1919 بمجموعة من الاسباب اكثرها ذات طابع اقتصادي وسياسي، ومنها اضطهاد المغول المسلمين للبوذيين الهنود، واجبارهم على اعتناق الاسلام اثناء الحكم المغولي للهند، وانخفاض المستوى المعيشي للمهاجرين المسلمين من الهند، واستعدادهم للقيام باي عمل مهما كانت صعوبته او خطورته، ما شكل عامل منافسة على فرص العمل مع السكان الاصليين، اضافة الى سيطرتهم على معظم الوظائف الادارية في البلاد التي منحتها لهم السلطات البريطانية على حساب سكانها اثناء الاحتلال البريطاني لها، وحدثت اول اعمال عنف ضد مسلمي بورما عام 1930 حين اجتاحت الازمة الاقتصادية العالم، فأضرب عمال الموانئ الهنود المسلمون عن العمل، مطالبين الشركات البريطانية بزيادة اجورهم، وفي اليوم التالي استقدمت هذه الشركات عمالة بورمية بوذية بدلا منهم، ما سبب اندلاع اعمال العنف بين الطائفتين راح ضحيتها في اليوم الاول مئتا عامل مسلم، ومن ثم انتشرت اعمال العنف في جميع انحاء بورما، ولم يعرف عدد المسلمين الذين قتلوا في تلك الاحداث الدامية، ومن ثم مجزرة عام 1942 التي راح ضحيتها اكثر من مئة الف مسلم، قتلوا بسبب نشر الصحف البورمية التي تشرف عليها سلطة الاحتلال البريطانية صورا لثلاثة رهبان بوذيين هنود قتلوا لخروجهم بتظاهرة ضد مسلمي بورما في احد اسواق المسلمين في الهند، وعندها اندلعت اعمال عنف ضد مسلمي بورما، وقتل الابرياء، وهدم اكثر من مئة مسجد للمسلمين، واستمرت هذه المذابح ضدهم متخذة شكلها الطائفي البغيض تحت اعذار وحجج واهية كما يحدث الان، ومنها محاولة منع المسلمين من ذبح الدجاج والمواشي لأكلها، كون هذه الاعمال تتقاطع مع معتقدات الاغلبية البوذية في البلاد، ما استدعى ارتكاب المذابح ضدهم، واضطر الكثير منهم الى الهروب عن طريق البحر الى تايلند التي يقوم خفر السواحل فيها بالقاء القبض عليهم وضربهم وإعادتهم الى البحر مرة اخرى، وقد طالب الرئيس البورمي ثين سين الامم المتحدة بإيواء مسلمي بلده في مخيمات تحت اشرافها، او ترحيلهم من البلاد، ان هذا الصمت المطبق من العالم ومنظماته الدولية تجاه ما حدث ويحدث ضد الاقلية المسلمة في بورما والاقليات الاخرى التي تعرضت وتتعرض لابشع انواع الاضطهاد والقتل والتشريد في الكثير من اصقاع العالم، كما في سوريا والعراق على ايدي الزمر المتطرفة، يكشف عن زيف ادعاء دوله العظمى بتصديها للدفاع عن حقوق الانسان، وحماية الاقليات فيه، كون موقع بورما في اقصى الشرق من العالم، ومواردها الاقتصادية الفقيرة لا تشكل اية اهمية لهذه الدول الكبرى، التي تتحكم وتسيطر على معظم الهيئات الدولية، وأن تدخلها في بقعة من العالم يكون تبعا لاطماعها ومصالحها الاقتصادية، واما الدول الاسلامية ومنظماتها وهيئاتها فقد انشغلت بربيع التطرف العربي، وسعيها لتأجيج الصراع الطائفي بين مسلمي المنطقة، وسيبقى ما يحدث هناك وصمة عار في جبين الانسانية، وصرخة مدوية تكشف عن كذبة شعارات (الحرية وحقوق الانسان والمواطنة)، التي استباحت بها اميركا واوربا الحرة بجيوشها وترسانتها العسكرية بعض دول العالم تحت هذا العنوان الزائف.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث