مُحمّد مُصْطَفى إِدْرِيْس – عضو متعاون في وكالة أنباء الروهنجيا
جدّة - 13صفر 1435هـ
الحمدُ للهِ والصّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمُرسَلينَ؛ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِه أجمَعينَ .. وبعد:
ففي فجرِ هذا اليومِ شعرتُ ببرودةٍ شديدةٍ في الجوِّ، وأحسَسْتُ أيضاً بأنّ شدّةَ البرودةِ قد تكونُ صنفاً من أصنافِ العذابِ لِبنِي البشرِ!
تذكّرتُ حِينَها مِئاتٍ وآلافًا مِن البشرِ من بني جلدتنا ومن المُسلمينَ السّوريين يذوقون هذا العذابَ أو أشدَّ منه؛ هناك في العراءِ داخلَ مُخيّماتٍ هَشّةٍ بَالِيَةٍ! بلِ البَعضُ مِنهُم لَمْ يَحْظَ حتى بمثلِ هذَا السَّكَنِ البالِي!
وتذكّرتُ أيضاً أنّ درجاتِ الحَرارةِ بِالشّام أشدُّ بأضعافِ ما نذوقه نَحْنُ هُنا فِي المَنَاطِقِ الدّافِئةِ، وأنّ إخوتَنَا في المُخيّماتِ وفِي العَرَاءِ دَاخِلَ بُورمَا وَفِي حُدودِ بنغلاديشَ؛ يَذُوقُونَ لَسْعَاتِ البردِ الشّديدِ المصحوبِ بالأمطارِ الغَزِيرَةِ!
وعندَها لم أمْلكْ إلا أن أدْعُوَ اللهَ بِكلّ إخلاصٍ وَخُشُوعٍ؛ أنْ يَلْطُفَ بِكلّ هَؤلاءِ المُسْتَضْعَفِينَ في الأرضِ والمُضْطهِدِينَ مِنَ المُسلِمينَ فِي مَشارقِ الأرضِ ومَغَارِبِهَا. اللّهمّ إنّا نَلْتَجِئُ إليكَ، ونَتَوَكّلُ عليكَ، ونَسْألُكَ التّمكينَ، وَنَتوبُ إليكَ وَنَسْتَغْفرُكَ من أنْ وصَلنا إلى هذه الحَالِ مِنَ الذُّلِّ والهَوَانِ!
إخْوتِي وأحبّتِي .. أيُعْقَلُ أن نَجْلِسَ مُطمَئِنّينَ فِي دِيَارِنَا وَنَنامَ بِكُلّ رَاحَة بَالٍ وإخْوتُنَا يُعَانُونَ الظّلمَ والبَطْشَ مِنَ الأعداء! ويُعَانُونَ ظرُوفَ الحَيَاةِ الصّعبةِ من بردٍ قارسٍ، وأمطارٍ مُهلِكَةٍ، وسيولٍ جارفةٍ، ومعيشةٍ غير آمنةٍ في العَرَاءِ دُونَ أن يُّحرِّكَ ذلك كلُّه فينا سَاكِناً، وكأنّهم ليسوا بشراً مثلنا؟ أوْ ليسُوا مسلمينَ إخْوةً لنا في ديننا ونَسَبِنَا؟!
فأينَ الغَيُورُونَ مِن أُمّتِي؟ أيْنَ مَنْ يَشْعُرُونَ بِحُرْقَةِ الدّمّ المُشْتَرَكِ؟ وَأَيْنَ مَنْ قَبِلُوا بِتقليدِهِم مَنَاصِبَ عَظِيمَةٍ فِي سَبِيْلِ خِدْمَةَ الشّعُوبِ المُضْطَهَدَةِ؟
أخْرِجُوا لَنَا سُبُلاً للدّعمِ، وَأَوْجِدُوا لَنَا وَسَائِلَ لإغاثةِ شَعْبِنَا، وبيّنُوا لَنَا طُرُقاً للمُسَاعَدَةِ، والله ثمّ والله إنّ الجميعَ مَسؤولٌ عن كل فرد ماتَ بِسَبَبِ إِهْمَالِنَا وَتقصِيرِنَا! و كلُّنا مُسؤولونَ عِنْدَ رَبّنَا عَن تَقْصِيرِنَا فِي البَحْثِ عنْ وَسَائِلَ فَاعِلَةٍ وعَمَلِيّةٍ فِي سَبِيلِ دَعْمِ إِخْوَانِنَا ونصرتِهِم.
البَعضُ مِنَّا ذَهَبَ لِسُؤالِ رَأسِ الكُفْرِ لِيَسْتَنْجِدَ بِهِ! وَالبَعْضُ الآخرُ يَلهَثُ خَلْفَ الغَرْبِ مُتَأمّلاً مِنْهُم الخَيرَ وَالإغَاثةَ! سُبْحَانَ الله! أيْنَ ضَيَّعْنَا إِيْمَانَنَا؟ وأَيْنَ تَوَكّلُنَا بِاللهِ العَليّ القَدِيرِ؟
إِخْوَتِي المَسْؤُولِينَ، لَقَدْ كَانَتْ مَشِيئةُ اللهِ أنْ وُكِل إِليْكُم كثيرٌ مِنَ المَسْؤولِيّاتِ؛ فاجْتهِدُوا فِيها، وَقُومُوا بِأدَائِها عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ؛ فَالأمّة مُحْتاجَةٌ بِشدةٍ إلى كُلّ جُهْدٍ يُبْذَلُ فِي سَبِيلِ نُصْرَتها ورفعِ الذلِّ الواقعِ عليهَا.
وَجّهُوا طَاقَاتِكُم وَأفْعَالَكُمْ إِلَى المَيْدَانِ الفِعْلِيّ؛ فَقَد طَوّلْتُم وَأسْرَفْتُم في الاهتِمَامِ بِالفَرعِيّاتِ، وَالأعمَالِ ذاتِ الفَوَائِدِ الصّغِيرَةِ والمحدودةِ؛ فالوَقتُ يَمْضِي عَلـَى أُمّتِنَا، وَأنتُم غافلونَ ماكثونَ في القِيلِ وَالقالِ!
تَأَسَّفْنَا كثيرًا عَلى تلكُمُ المُجَادَلاتِ الإعلاميّةِ، والاخْتِلافاتِ الشديدةِ التي اشتَعلتْ نِيرانُها فِي الأيّام المَاضِيّةِ .. ترَاشُقَاتٌ بِالألفاظِ، وَتَلاعُنَاتٌ صَرِيحَةٌ، وَهُجُومٌ هُنَا، وَصَدًّ هُنَاكَ، وَأمَتُنَا تُبَاد عَلى بَكْرَةِ أبِيْهَا بأراكان!!
لَو ظَلَلْنَا هَكذا بِضْعَةَ سِنِينَ أُخْرَى فَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ شَعْبٌ يُقَالُ لَهُمْ (مُسْلِمُو الرُّوهَنْجِيَا)، ولا بلد يقال له (أراكانُ) المُسْلِمَة!
لا يُوجَد هُنَاكَ الآنَ فِي دَاخِلِ أراكانَ إِلا عَددٌ قليلٌ، ولا يُوجَدْ بِهَا إِلا العَجَائِزُ وَالنّسَاءُ والأطفالُ! وَقلِيلٌ مِنَ الشّبَابِ، والغالبيةُ الكُبرى من رجالِهم وشبابِهم إمّا فِي المُعْتقلاتِ، أو فِي مُخَيّماتِ النّازِحِينَ، أو فِي بُلْدَانِ المَهْجَرِ! فَالمَوجُودُونَ الضّعَفَاءُ إِذًا كَيفَ يَصْمُدُونَ أَكْثَرَ؟ وَكيفَ يُدَافِعُونَ عَنْ أنْفُسِهِم؟ وَكيْفَ ... ؟ وَكيْفَ ... ؟
البُوذِيون هُناكَ يَعْمَلُونَ ليلَ نهارَ وينصبونَ العِدَاءَ على أهالِينا، وينفِّذونَ الإبَادَةَ ضدَّهم بِهَمَجِيّةٍ وَإِصرَارٍ شَدِيدٍ؛ وَنَحْنُ هُنا نُعَادِي بَعْضَنَا بِأشَدَّ هَمَجِيّةً، وَأكثَرَ عُدْوَاناً! تَلاعُنٌ وَتلاسُنٌ وَتَرَاشُقٌ بِالألفاظِ، وَإقصَاءٌ وَتَهْمِيشٌ، وَفَصْلٌ عُنْصِرِيٌّ، وَتَمْيِيْزٌ بَيْنَ البَعْضِ، وَتفْضِيْلُ أشْخَاصٍ عَلى بَعْضِهم بِسَبَبِ العِدَاءِ وَالاخْتِلافِ؛ فإِلَى مَتَى يَا أُمّتِي؟ إِلَى مَتَى تَظَلُّ فِينَا هَذِهِ الحَالُ المُؤْلِمَةُ؟!