وكالة أنباء الروهنجيا ـ الأناضول
لندن/ مونج زارني/ الأناضول
للمرة الثانية، علت البسمة وجه زعيمة ميانمار، أونغ سان سو تشي، الإثنين (20 يناير/ كانون الثاني الماضي)، بعدما وقعت مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، 33 اتفاقية، تشمل صفقات تجارية، ومذكرات تفاهم، واتفاقات شراكة استراتيجية وتعاون تقني، خلال زيارته لميانمار السبت.
وظهرت السيدة سو تشي مبتسمة أمام الكاميرات، بينما يقدم لها نائب وزير خارجية الفلبين السابق، روزاريو مانالو، التقرير النهائي لـ"لجنة التحقيق المستقلة"، التي شكلتها ميانمار، والتي اعتبرت أنه "ليس هناك أدلة تدعم الاتهامات حول ارتكاب أو التخطيط لإبادة جماعية ضد الروهنغيا."
وأصدر تحالف الروهنغيا الحر، وهو شبكة دولية من نشطاء لاجئي الروهنغيا وأنصارهم، بيانًا يدحض فيه نتائج اللجنة بأنه لا توجد أدلة كافية تدعم نية ارتكاب إبادة جماعية ضد الروهنغيا في ولاية "أراكان"، والترحيل الجماعي لحوالي 800 ألف من الروهنغيا إلى بنغلاديش، خلال عامي 2016 و2017.
وقال ناي سان لوين، الشريك المؤسس والمنسق للتحالف، إن "هذه لجنة أخرى في ميانمار تم تشكيلها لرفض واستبعاد النتائج التي تثبت الإبادة الجماعية المستمرة منذ عقود لشعبنا الروهنغيا".
وأضاف أن اللجنة "قدمت فقط مجموعة من الأكاذيب التي تنكر الاتهامات ضد ميانمار، في مختلف المحافل الدولية".
ورغم وصف سو تشي للجنة بأنها "مستقلة" عن التدخل السياسي، فإن تقريرها يكرر فحوى دفاع سو تشي، بصفتها زعيمة ميانمار، ومستشاريها القانونيين، في الدعوى التي تقدمت بها غامبيا ضد ميانمار، في محكمة العدل الدولية، يومي 11 و12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وادعت اللجنة والمستشارون القانونيون لسو تشي أن قوات الأمن في ميانمار ربما استخدمت قوة "غير متناسبة"، وارتكبت جرائم حرب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان، "لكن الأمر لا يرقى لحد الإبادة الجماعية".
وهذه النتائج لصالح الجناة، فهم يدركون أن مقاضاتهم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لن تدخل في نطاق اختصاص محكمة العدل الدولية، فأعلى محكمة في الأمم المتحدة لا تتعامل إلا مع النزاعات القانونية بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولا تحاكم قادة ومسؤولي الدول الأفراد.
إن اعتراف التقرير بارتكاب ميانمار جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وخرق للقانون الداخلي، أثناء العمليات الأمنية بين 25 أغسطس/ آب و5 سبتمبر/ أيلول 2017، هو مجرد تكرار لحجة ميانمار القانونية.
بالنظر في دعوى محكمة العدل الدولية، نرى تناقض التقرير أيضًا مع البيان الذي أدلى به سابقًا رئيس اللجنة مانالو، وادعى فيه أن لجنته ليست معنية بالمساءلة، وأن "اللوم وتحميل المسؤولية وتوجيه أصابع الاتهام ليس نهجًا دبلوماسيًا".
كما كانت مصداقية وموثوقية الإدعاء الذي قدمته اللجنة موضع تحفظ كبير منذ فترة طويلة بين مراقبي ميانمار ومحققي الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان وكذلك لاجئي ونشطاء الروهنغيا.
في خضم الحديث المتزايد في جميع أنحاء العالم عن الإبادة الجماعية المستمرة في ميانمار ضد الروهنغيا، شكل رئيس ميانمار، وين مينت، لجنة تحقيق مستقلة، في 30 يوليو/ تموز 2018، برئاسة نائب وزير خارجية الفلبين السابق، روزاريو مانالو.
كما تتألف اللجنة من المدير العام السابق للمحكمة العليا بميانمار، ميا ثين، والمدير العام السابق لوزارة الصحة والأعمال بميانمار، أونغ تون ثيت، والسفير الياباني السابق لدى الأمم المتحدة، نائب رئيس الوكالة اليابانية للتعاون الدولي السابق، كينزو أوشيما.
وصوتت اليابان والفلبين، خلال السنوات القليلة الماضية، ضد قرارات الأمم المتحدة السنوية بشأن ميانمار، التي تدينها بسبب جرائمها الخطيرة، وتدعو إلى مساءلتها دوليًا.
ويعد المفوض البورمي، أونج تون ثيت، رئيسًا مثيرًا للجدل للغاية لمؤسسة الاتحاد من أجل المساعدة الإنسانية وإعادة التوطين والتنمية في أراكان، وهو كيان حكومي في ميانمار أنشأته سو تشي، واتهمه محققو الأمم المتحدة بدعم "نتائج جرائم الحرب".
وصادرت المؤسسة مساحات شاسعة من الأراضي كانت مملوكة للروهنغيا، الذين قتلوا في الإبادة الجماعية عامي 2016 و2017، وأنشأت على هذه الأراضي بنى تحتية وطورتها تجاريًا وزراعيًا.
كما هو متوقع، توصل تقرير اللجنة، وفقًا لبيانها الصحفي الرسمي، إلى أنه "لا يوجد "نمط سلوكي" يمكن للمرء أن يستنتج منه بشكل عقلاني أن هذه الأفعال قد ارتُكبت بـ"نية الإبادة الجماعية".
وزعمت أنها تناولت "السياق والخلفية التاريخية لولاية أراكان".
مع ذلك، توصلت الدراسات القانونية وبحوث حقوق الإنسان التي تناولت السياق نفسه والخلفية التاريخية للروهنغيا في أراكان، إلى أن ميانمار، وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، لديها سياسة موثقة جيدًا للتمييز والحرمان من الحقوق والاضطهاد والعنف ضد الروهنغيا كمجموعة لها هوية وثقافة ولغة وعقيدة خاصة بها.
ومن بين المؤسسات التي نشرت دراسات توثق وتثبت هذا النمط من تدمير ميانمار الممنهج لجماعة الروهنغيا، هي كلية الحقوق بجامعة واشنطن (2014)، مبادرة الجرائم الدولية للدول بجامعة كوين ماري بلندن (2015)، كلية لوينشتاين للقانون الدولي لحقوق الإنسان بجامعة ييل (2015) ومتحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة (2017).
وتوصلت هذه المؤسسات البحثية ذات المصداقية لنتيجة مشتركة، بشكل مستقل عن بعضها البعض، وهي أن ميانمار اعتمدت سياسة الإبادة الجماعية ضد الروهنغيا كمجموعة.
وأيدت البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق المنتدبة من الأمم المتحدة، والتقريران الرئيسيان لها لعامي 2018 و2019، نتائج الدراسات القانونية ودراسات حقوق الإنسان السابقة بشأن الإبادة الجماعية.
وتشمل أنماط اضطهاد الروهنغيا تجريدهم كأقلية قومية من الجنسية، والسخرة، وحملات الترحيل المستمرة، وفصلهم عن البقية، والحرمان من الخدمات الأساسية للحياة، مثل الخدمات الطبية الأولية والطوارئ.
كما تشمل تدابير تقييدية صارمة للزواج وتنظيم النسل، والإعدام بإجراءات موجزة، والعنف الجنسي، والاعتقال، والسجن الجماعي، والقيود الشديدة على الحركة، وحملة دعاية موجهة من الدولة تزعم أن الروهنغيا لا وجود لهم رغم أن الوثائق الرسمية والتاريخية تثبت عكس ذلك.
واعتبرت "لجنة التحقيق المستقلة" لسو تشي أن عمليات الترحيل والقتل والتدمير الجماعي للروهنغيا نتيجة "الاستخدام غير المتناسب للقوة" هي رد على "النزاع المسلح الداخلي" بين مايعرف باسم "جيش إنقاذ روهنغيا أراكان" الناشئ آنذاك والقوات المسلحة لميانمار والشرطة، دون نية لتدمير مجتمع الروهنغيا كليًا أو جزئيًا.
وميانمار دولة نشأت في الحرب العالمية الثانية (1939: 1945)، وهي موطن لأطول النزاعات المسلحة في العالم بين الحكومات البورمية العرقية وجيشها المركزي وجميع الأقليات القومية تقريبًا.
ومنذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1948، تكونت أكثر من 20 منظمة عرقية مسلحة بجميع مناطق الأقليات القومية، ولم تتعرض أية جماعات عرقية أخرى في ميانمار، بغض النظر عن مدى حدة النزاعات المسلحة، لنوع الاضطهاد والتدمير الذي مورس ضد الروهنغيا.
وفي 2019 فقط، خاض "جيش أراكان" البوذي 600 معركة ضد قوات الأمن في ميانمار، وادعى أنه قتل 3 آلاف من أفراد الجيش والشرطة، وهو أمر لم تنفه وزارة الدفاع.
ورغم ذلك لم تتعرض المجتمعات الموالية لجيش أراكان البوذي للتدمير الجماعي المنظم نفسه الذي يتعرض له الروهنغيا.
بينما قتل "جيش إنقاذ روهنغيا أراكان" ضعيف التسليح 12 فقط من قوات الأمن أثناء هجماتها الثلاثين - التي لم يتم التحقق منها بشكل مستقل - في المواقع العسكرية والشرطية بين 25 أغسطس/ آب و5 سبتمبر/ أيلول 2017.
وأدى رد الفعل الفوري لميانمار إلى الإبادة الجماعية لثلاثة أرباع مليون من الروهنغيا، منهم 300 ألف في سن المدرسة والشباب، والتدمير التام لـ390 قرية و38 ألف منشأة بنية تحتية، واغتصاب آلاف النساء.
ربما يشعر قادة ميانمار بالدعم من زيارة الرئيس الصينين لنايبيداو، التي استغرقت يومين، وكررت خلالها بكين الإعراب عن التزامها بحماية ميانمار في محافل الأمم المتحدة، بعد أن اعتبرت السعي للمساءلة الدولية عن الجرائم الدولية لدولة لميانمار تهديدًا للسيادة و"تدخلًا".
لكن يجب أن تعلم سو تشي وشركاؤها في الجرائم أن الإنكار جزء من الإبادة الجماعية.
ويشير التقرير الأخير الصادر عن لجنة التحقيق "المستقلة" في ميانمار إلى المستوى المتدني لحكومة ميانمار الائتلافية، بزعامة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، وللجيش البورمي، في جهودهما المشتركة للتستر على جرائم الإبادة الجماعية الشنيعة.
ولهذا يجب على المجتمع الدولي أن يضمن تعبئة جميع آليات العدالة العالمية والوطنية لجعل قادة ميانمار يدفعون ثمن الإبادة الجماعية وإنكار قيامهم بها.
----------------------
** مونج زارني هو منسق بورمي لتحالف الروهنغيا الحر، وعضو بمركز توثيق الإبادة الجماعية في كمبوديا
https://www.rna-press.com/