معد التقرير: يحيى شراحيلي
الأحد 11 نوفمبر 2012م
في العام الماضي شهدت ميانمار (بورما) في ٣٠ مارس انتقال السلطة إلى النظام المدني بعد نحو ٤٩ عاما من الحكم العسكري، حيث تولى ثين سين، رئيس الوزراء البورمي السابق، رئاسة البلاد، وتم حل المجلس العسكري الحاكم وقامت حكومة سين بإجراء عدة إصلاحات حظيت بتأييد المجتمع الدولي، حيث شهدت الأشهر الأخيرة إطلاق سراح المئات من السجناء السياسيين، كما تم الإعلان عن اتفاقيات لوقف إطلاق النار مع بعض الجماعات العرقية المسلحة بجانب إضفاء الصبغة الشرعية على النقابات، والإقرار بالحق في التظاهر.
واعتبر المجتمع الدولي فوز زعيمة المعارضة في ميانمار الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، أونج سان سو كي، بمقعد في البرلمان خلال الانتخابات التشريعية التي جرت مطلع شهر أبريل ٢٠١٢، خطوة هامة على طريق الاصلاحات التي وعد بها القادة في البلاد، والتي تعول عليها العرقيات كثيراً في احتواء ابناء الوطن والمساواة بين جميع أبناء بورما دون تفرقه.
وبسبب سجل حقوق الانسان في ميانمار والانتهاكات التي تتهم بها حكومة يانغون أقرت الولايات المتحدة الامريكية عقوبات على ميانمار لأول مرة في عام ١٩٩٧ وظلت واشنطن تمدد تلك العقوبات مشيرة إلا أن الأزمة بين الولايات المتحدة وميانمار لم تحل وذلك رداً على قمع المطالبين بالديموقراطية وانتهاكات حقوق الانسان.
وتعتزم الولايات المتحدة تخفيف عقوبات حظر الاستثمارات في ميانمار، حيث أدلت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بهذا التصريح خلال لقاء مشترك مع وزير الخارجية الميانماري وونا ماونغ لوين، لكنها حذرت أيضا من أن القوانين المعنية ستبقى كسياسة تأمين.
وقالت كلينتون إن الولايات المتحدة ستصدر ترخيصاً عاماً للسماح بالاستثمارات الأمريكية في ميانمار، لكنها أكدت أنه سيتم إبقاء القوانين الصادرة بشأن العقوبات من قبل الولايات المتحدة بالإضافة إلى الحصار المفروض على ميانمار، وذلك سعيا من واشنطن للحفاظ على نفوذها ودفع حكومة ميانمار للقيام بإصلاحات ديمقراطية بشكل أكبر، كما عين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ديريك ميتشل كأول سفير أمريكي لدى ميانمار منذ ٢٢ عاما، بعد الانتخابات البرلمانية التي أقيمت في البلاد في ابريل الماضي.
وتبع واشنطن في العقوبات بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي فقد قرر وزراء الخارجية الأوروبيون خلال اجتماعهم في مايو ٢٠١٢ تعليق العقوبات التي كان الاتحاد الأوروبي قد فرضها ضد ميانمار والتي شملت التجارة والاستثمارات في قطاعات استغلال الغابات وتصنيع الأخشاب، إضافة إلى استخراج المعادن النفيسة والأحجار الكريمة، كذلك تم إلغاء العقوبات التي كانت مفروضة على أشخاص حالوا دون تحول ميانمار نحو الديمقراطية وكذلك المؤسسات التي كان يديرها عسكريون أو مسؤولون حكوميون والذين تمت مصادرة أموالهم ومنعهم من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي وذلك تشجيعاً للإصلاحات التي شهدتها البلاد مؤخراً. ومن جهتها قالت استراليا أنها بصدد رفع العقوبات الاقتصادية عن ميانمار إلا أنها ستبقى حظر السلاح قائماً.
وفيما يتعلق بعلاقاتها مع جارتها الصين فإن بكين ويانجون ترتبطان بعلاقات حدودية وتحالفات تاريخية وثيقة، فالصين هي الحليف العسكري الأول للنظام الحاكم في ميانمار وهي أحد أهم حلفاء الصين في مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة كما أن ميانمار منفذ الصين إلى المحيط الهندي وأحد أعضاء التحالف الثلاثي ضد الهند والذي يضم أيضا باكستان. وإلى جانب العلاقات التاريخية والاستراتيجية والعسكرية فإن العلاقات الاقتصادية وثيقة بين البلدين فالصين واحدة من أكبر شركاء يانجون التجاريين كما أن الشركات الصينية تستثمر مليارات الدولارات في ميانمار وخاصة في مجال الطاقة والنفط والغاز الذي أشارت التقديرات إلى وجود احتياطيات كبيرة منه في هذا البلد، فيما تسعى روسيا كذلك لتوطيد علاقاتها مع ماينمار وتوسيع التعاون التجاري وخاصة في مجال النفط والغاز.
وتعد بورما أو المسماة رسمياً جمهورية اتحاد ميانمار إحدى أسوأ الدول التي تملك سجلاً سيئاً في مجال حقوق الانسان حسب تصنيف منظمات حقوق الانسان ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بسبب القمع المتواصل للحريات والتصفية العرقيه ومنع التحول للديموقراطية.
وفي فبراير الماضي قال المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في ميانمار، توماس كوينتانا، إن الإصلاحات الأخيرة في ميانمار كان لها تأثير إيجابي كبير، إلا أنه حذر من أن هناك تحديات كبيرة ما زالت ماثلة ويجب أن تعالج لتعزيز الانتقال إلى الديمقراطية. وكانت الامم المتحدة قد رحبت بقرار رئيس ميانمار الأخير الذي أصدر عفوا عن عدد كبير من سجناء الرأي، وأقرت بالتدابير الإصلاحية التي اتخذتها السلطات في البلاد بما في ذلك الحوار بين الحكومة وزعيمة المعارضة داو أونغ سان سوتشي.
وفي الجانب الاقتصادي فبالرغم من قلة الموارد والعقوبات المفروضة على البلاد إلا أن ماينمار استطاعت أن تحقق نموا اقتصاديا جيدا وتوسعت تجارتها مع دول شرق وجنوب آسيا واستطاعت أن تحقق تطوراً ملحوظاً في هذا المجال وقامت الحكومة بالاهتمام بالبنية التحتية للبلاد والاهتمام بالموار الطبيعية والصناعات المحلية والزراعة وصيد الاسماك التي يعتمد عليها الغالبية العظمى من الشعب الماينماري.
وبالرغم من الموارد المحدودة الا أن الحكومة تنفق ببذخ على بناء المعابد البوذية وتسعى لاستقطاب البوذيين لزيارتها كمعالم سياحية في حين يعاني العديد من سكان هذا البلد من الفقر المدقع.
ومينمار هي إحدي دول جنوب شرق آسيا التي كانت تحت سيطرة حكومة الهند البريطانية وفي الاول من أبريل ١٩٣٧م انفصلت نتيجة لاقتراع بشأن بقائها تحت سيطرة مستعمرة الهند البريطانية أو استقلالها لتكون مستعمرة بريطانية منفصلة، حيث كانت إحدى ولايات الهند البريطانية تتألف من اتحاد عدة ولايات هي بورما آركان وكابا وشان وكاشين وشن. وفي ١٩٤٠م كونت ميليشيا الرفاق الثلاثون جيش الاستقلال البورمي وهو قوة مسلحة معنية بطرد الاحتلال البريطاني، وقد نال قادته الرفاق الثلاثون التدريب العسكري في اليابان، وقد عادوا مع الغزو الياباني في ١٩٤١ مما جعل ميانمار بؤرة خطوط المواجهة في الحرب العالمية الثانية بين بريطانيا واليابان، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء أعادت بريطانيا ضمها كمستعمرة، وقد نالت استقلالها أخيراً عام ١٩٤٨م وانفصلت عن الاستعمار البريطاني.
ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للدولة، ويتحدث أغلب سكانها اللغة البورمانية ويطلق على هؤلاء (البورمان) وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات الأركان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات، رآخين بورما وجماعات الكاشين وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات.
وظلت بورما منذ استقلالها يحكمها الجيش الذي تسلم السلطة بانقلاب عسكري في سبتمبر ١٩٦٢م يسيطر على الحكومة مجلس عسكري يُسمَّى مجلس الدولة للسلام والتنمية، وكان يعرف حتى عام ١٩٩٧م باسم مجلس الدولة لاستعادة القانون والنظام، ويتولى رئيس المجلس مسؤوليات رئيس الوزراء ووزير الدفاع، وقد ألغى الجيش السلطة التشريعية وغيرها من المؤسسات الوطنية الحكومية. وفي عام ١٩٩٠م أجريت انتخابات متعددة الأحزاب، نال فيها الحزب الرئيسي المعارض وهو حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية أغلبية المقاعد، غير أن الحكومة العسكرية أوضحت أنها لن تسمح بانتقال السلطة حتى يتم وضع دستور جديد، وبدأت جميع الفعاليات السياسية اجتماعات متواصلة منذ ١٩٩٣م لوضع الدستور الجديد.
المسلمون في بورما (ماينمار)
تقدر نسبة المسلمين بحسب الاحصاءات الرسمية ما يقارب ٤٪ من مجموع السكان البالغ ما يقارب 52 مليوناً، وتشير عدة مراجع أن الاسلام دخل عن طريق ولاية أراكان أو راخين كما يسميها البعض في القرن الأول الهجري عن طريق صحابي يدعى وقّاص بن مالك رضي الله عنه، فيما تذهب بعض المراجع الى أن الإسلام وصل إليها عبر آراكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن السابع الميلادي عن طريق التجار العرب، وعملوا في الزراعة في البدء، ثم التجارة واستوطنوا في كثير من البقاع. حتى أصبحت بعد ذلك دولة إسلامية حكمها 48 ملكاً مسلماً على التوالي ما بين عامي 1430-1784م، وكان لهم عملات نقدية تتضمن شعارات إسلامية مثل كلمة التوحيد. ويوجد هناك مساجد يعود تاريخها الى مئات السنين كمسجد (بدر مقام) في (أكياب) عاصمة (آراكان)، مسجد سندي خان الذي بني منذ 560 عاما،ً ومسجد الديوان موسى الذي بُني عام 1258م، ومسجد ولي خان الذي بني في القرن الخامس عشر الميلادي.
وتمثّل آركان أو آرخين أكبر تجمّع إسلامي، كما يوجد تجمّعات أخرى للمسلمين في مدن آخرى منها العاصمة رانجون وسكان آرخين هم (الروهنجيا) الذين يدينون بالإسلام وينحدرون من جذور عربية وفارسية وهندية وتركية، أما لغتهم فخليط من البنغالية والفارسية والعربية، و(الماغو) الذين يدينون بالبوذية، بالإضافة إلى أقليات عرقية متعددة. وقد ضم إقليم آرخين أو آركان الذي يقع في غرب البلاد ويشترك في حدوده مع بنغلادش من قبل الملك البوذي (بوداباي) عام 1784م الذي قام بضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين الماغ على ذلك طوال فترة تواجدهم.
وتشير مراجع الى أنه في عام 1824م عندما احتلت بريطانيا بورما، وضمتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية ثم مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية واجه المسلمون الاستعمار الإنجليزي بقوة مما جعل بريطانيا تخشاهم، فبدأت حملتها للتخلّص من نفوذ المسلمين فعمدت على تحريض البوذيين ضد المسلمين، وأمدّتهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحة عام م1942 فتكوا خلالها بحوالي مائة ألف مسلم في آراكان وظل المسملين تحت حكم بورما.
ويتهم المسلمون ومنظمات حقوقية حكومة يانغون بأنها تساعد على اضطهاد المسملين ولا تحميهم من أعمال العنف والشغب التي يتعرضون لها حيث يتم إرغام المسلمين على تقديم محصولاتهم وممتلكاتهم إلى الجنود والهيئات التنفيذية والقانونية، ويتهم المسلمون حكومة يانغون أيضاً بإحداث تغييرات ملموسة في التركيبة السكانية لمناطق المسلمين بإدخال البوذيين من غير الساكنين وتسليمهم السلطة في مناطق المسلمين وإنشاء قرى نموذجية في شمال آركان ذات الأغلبية المسلمة، وتشجيع أسر بوذية للاستيطان في هذه القرى، وحرمان أبناء المسلمين من مواصلة التعليم في الكليات والجامعات، والسفر للخارج، وتقييد حرية التنقل وعدم السفر للخارج والطرد أو التهجير الجماعي المتكرر خارج البلاد كما حصل في الأعوام عام ١٩٦٢م عقب الانقلاب العسكري الفاشي حيث طرد أكثر من ثلاث مائة ألف مسلم إلى بنغلاديش. وفي عام ١٩٧٨م طرد أكثر من نصف مليون مسلم، في أوضاع قاسية جداً، مات منهم قرابة أربعين ألف من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، توجه العديد منهم الى دول اسلامية أخرى منها المملكة العربية السعودية.
وفي عام ١٩٨٨م تم طرد أكثر من مائة وخمسين ألف مسلم، بسبب بناء القرى النموذجية للبوذيين في محاولة للتغيير الديموغرافي. وفي عام ١٩٩١م تم طرد قرابة نصف مليون مسلم، وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة، انتقاماً من المسلمين لأنهم صوتوا لصالح الحزب الوطني الديمقراطي.
ويقول أبناء آركان المسلمون أن الحكومة تقوم بمصادرة أراضي المسلمين وقوارب صيد السمك دون سبب واضح وفرض الضرائب الباهظة على كل شيء، والغرامات المالية، ومنع بيع المحاصيل إلا للعسكر أو من يمثلهم بهدف إبقاء المسلمين فقراء، أو لإجبارهم على ترك البلاد ولا تسمح الحكومة بطباعة الكتب الدينية وإصدار المطبوعات الإسلامية إلا بعد إجازتها من الجهات الحكومية ، وتمارس التضييق على بناء المساجد وإقامة الشعائر حيث تنفي الحكومة مواطنتهم، ويأمل المسلمون في أن تنالهم الاصلاحات التي وعدت بها الحكومة المجتمع الدولي.
وبحسب مراقبون فإن حكومة يانغون اليوم أمام تحد كبير فهي مطالبة في الشروع في إصلاحات حقيقية ملموسة في اتجاه الديموقراطية ومطالبات داخلية من قبل بعض الاقليات بضمان الأمن والاستقرار وعدم التفرقة التي بثها الحكم العسكري ضد الأقليات والحد من العنف الطائفي الذي يمارس ضد أقليات وخاصة المسملين منهم الذين ظلوا يعانون من التمييز والاضطهاد والتهجير القسري من ارضهم ومصادرة املاكهم.
المصدر : صحيفة الرياض عدد 16211