بقلم: رشا عبدالوهاب
23 ـ يونية ـ 2012
غرباء، منفيون، ومهجرون. أكثر شعوب الأرض والأقليات الدينية اضطهادا، شعب يرد ذكره فقط في تقارير منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الدولية عندما يتعرض للقتل. إنهم الروهينجا. مليون مسلم أو حوالي 4% من سكان ميانمار يعيشون في منطقة الراخين (أراكان) سابقا.
هناك مؤرخون يؤكدون أن الروهينجا اسم مشتق من «روهانج» الاسم القديم لمنطقة الراخين، وهناك من يقول إنها مأخوذة من كلمة "رحمة" ويرجعون تاريخ ظهور الإسلام في هذه المنطقة إلى القرن الثامن الميلادي. وقضيتهم تعتبر «جريمة الاستعمار» في كل مكان في الشرق، قضية ترسيم الحدود دون منطق. ففي عام 1937، وبعد أن كانت أراكان تتبع الهند قامت بريطانيا بضمها إلى ميانمار. واتبع الاستعمار البريطاني سياسته المعروفة «فرق تسد» خلال مقاومة الروهينجا له فقام بإثارة الفتن وتسليح البوذيين (الماج) ضد مسلمي أراكان.
ولا تعترف ميانمار بوجودهم، وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين أو غرباء، على أرض يعيشون عليها منذ قرون. شعب ميانمار هم من البوذيين الماج فقط، أما مسلمو الروهينجا فهم مهاجرون من بنجلاديش.
والأدهى من ذلك، أن ميانمار قننت التمييز والاضطهاد ضد المسلمين الروهينجا حيث صادقت السلطات عام 1982 على قانون الجنسية الذي وصفهم بأنهم مهاجرون من بنجلاديش مما جعلهم بلا وطن، كما منعتهم من ممارسة كافة حقوقهم السياسية وصادرت ممتلكاتهم ومحالهم. فهم بحسب نص القانون «مواطنون من الدرجة الثالثة»، وهم المسلمون حيث صنفوا على أنهم أجانب دخلوا البلاد لاجئين أثناء الاحتلال البريطاني، وهو ما يناقض التاريخ. ولعل الاضطرابات التي وقعت خلال الأيام الماضية ألقت الضوء على حجم العداء بين الحكومة والميانماريين البوذيين من جهة وبين الروهينجا من جهة أخرى. مئات القتلى وعشرات الآلاف من الفارين من جحيم «الراخين» بعد اندلاع اضطرابات عرقية دامية وقعت عندما قام حشد بوذي غاضب بمهاجمة حافلة تقل مجموعة من المسلمين في منطقة تاونجوب جنوب راخين وقتلوا عشرة مسلمين من «الروهينجيا» ظنا منهم أن الثلاثة الذين اغتصبوا فتاة بوذية كانوا في الحافلة. وتحولت سيتوي عاصمة الراخين إلى «ساحة حرب»، واشتعلت الحرائق.وفور اندلاع الأحداث الدامية، سارع رئيس ميانمار ثين سين إلى إعلان حالة الطوارئ والتحذير من أن «العنف الطائفي والفوضى يمكن أن يعرضا تحول ميانمار إلى الديمقراطية للخطر إذا انتشرا بشكل أكبر».
وبعد نحو عام من تولي ما يسمى بـ«الحكومة المدنية» أمور البلاد في ميانمار بعد 49 عاما من الحكم العسكري، وتعهدها بتحقيق الوحدة والمصالحة في واحدة من أكثر دول تنوعا عرقيا حيث تضم إلى جانب البوذيين الذين يشكلون 89%، المسيحيين والهندوس والبهائيين. لكن هذه التعهدات ذهبت سدى باندلاع أعنف اضطرابات طائفية تشهدها البلاد. ولم ينجح «عرس الديمقراطية» في ميانمار التي شهدت أول انتخابات ديمقراطية عام 2010 بعد إعلان انتهاء حكم المجلس العسكري في إنهاء فصول الدراما الإنسانية التي يحيها الروهينجا.والأغرب كان صمت أونج سان سوتشي زعيمة المعارضة وأيقونة الديمقراطية، الذي استنجد بها الروهينجا لمساعدتهم في إنهاء معاناتهم، والمدهش أكثر أنها لم تدل بأي تعليق خلال جولته الأوروبية التي وصفت بالتاريخية لأنها حدثت بعد 15 عاما من الإقامة الجبرية في منزلها. لم تؤثر الاضطرابات علي برنامج الرحلة التي زارت خلالها خمس دول أوروبية، ولكنه أثرت علي رمزيتها. سان سوتشي لم تكيل الانتقادات-كعادتها- للمجلس العسكري الذي كان أحد أسباب هذه الاحتقان الطائفي ولم تتحدث عن معاناة الروهينجا الذين اعتبروها الأمل الوحيد الذي يمكن أن ينقذهم من معاناتهم. أكثر من 800 ألف لاجئ حاولوا عبور نحو 200 كيلومتر إلى حدود بنجلاديش، لكنها أغلقت حدودها في وجوههم، وأعلنت أن بها 300 ألف لاجئ من الروهينجا، وهو ما يكفيها ولا تحتاج إلى المزيد.وبين شبح المجاعة، وجحيم العودة إلى منازل مهدمة ومحترقة، وهطول الأمطار الموسمية. يعيش الروهينجا فصول التراجيديا في مخيمات اللاجئين علي الحدود بين ميانمار وبنجلاديش.وبالرغم من المناشدات الدولية لإنهاء العنف وضبط النفس، إلا أن السلطات في ميانمار لجأت لحلول أمنية في محاولة لإنهاء العنف بإعلان حالة الطوارئ، بل وسارعت بإرضاء البوذيين بإعدام اثنين بتهمة اغتصاب الفتاة التي اعتبرتها «الشرارة الصغيرة» التي أشعلت الأحداث. ولم تسع لحلول سياسية أو حتى إنسانية لإنهاء أزمة الروهينجا التي تفتح فصلا جديدا من فصول انتهاك حقوق الأقليات في العالم.
المصدر:الأهرام اليومى