الثلاثاء 9 رمضان 1445 هـ | 19/03/2024 م - 12:51 مساءً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


الاقتصاد والعرق والسياسة.. ثلاثية تطيل أمد مأساة الروهنغيا (تحليل)
الخميس | 29/03/2018 - 12:01 صباحاً
الاقتصاد والعرق والسياسة.. ثلاثية تطيل أمد مأساة الروهنغيا (تحليل)

وكالة أنباء الروهنجيا ـ الأناضول

منذ عقود، تواجه أقلية الروهنغيا المسلمة في ميانمار جرائم وفظائع وحشية على أيدي السلطات العسكرية والمليشيات البوذية، وفق الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية.

إلا أن هذه المأساة لم تحظ باهتمام واسع إقليمي ودولي إلا في الآونة الأخيرة، مع بدء ارتكاب سلطات ميانمار في أغسطس / آب 2017، "أعمال إبادة جماعية وتطهير عرقي" بحق الروهنغيا، ما تسبب في فرار مئات الآلاف منهم إلى الجارة بنغلادش للنجاة بأرواحهم.

ولو أردنا تلخيص أسباب تلك المأساة، ينبغي الأخذ بالحسبان ثلاثة أبعاد مسؤولة عن إطالة أمد الوضع الراهن، وهي البعد الاقتصادي والعرقي والسياسي.

** موقع وثروات

أساس الصراع في ميانمار يكمن في إقليم أراكان غربي ميانمار، الذي كان المسلمون يشكلون أغلب سكانه، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية، كالغاز والنفط.

ورغم وفرة موارده الطبيعية، يعتبر أراكان واحدا من أكثر أقاليم ميانمار فقرا، حيث يعيش 78 % من سكانه تحت خط الفقر، بحسب البنك الدولي.

وتريد سلطات ميانمار السيطرة تماما على الإقليم وطرد مسلمي الروهنغيا منه، لإفساح المجال أمام الاستثمار الخارجي فيه، خاصة أن لديها العديد من المشاريع الاقتصادية في هذا الإقليم.

وتعد الصين في مقدمة الدول التي تستثمر في ميانمار، خاصة بمجال الطاقة.

وفي أبريل / نيسان 2017، اتفقت الصين وميانمار على مد خط أنابيب مزدوج (نفط وغاز) عابر للحدود من ميانمار إلى جنوب شرقي الصين.

وذكرت وسائل إعلام غربية أن هذا الخط من شأنه أن يسمح لبكين بتنويع خطوط الإمداد بالنفط، وتقليل اعتمادها على بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.

وكل سفينة قادمة من الشرق الأوسط يجب أن تمر عبر ثلاثة محيطات ومضيق ملقة (بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية) الخاضع للنفوذ الأمريكي، لذا تريد الصين بديلا لها عن هذا المضيق، والبديل هو عبر أراكان.

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية قالت في وقت سابق، إن خط الأنابيب من جزيرة "ميد" في أراكان يمكن أن يوفر 6 % من واردات الصين من النفط.

وانطلاقا من أهمية أراكان في المشاريع التنموية الاقتصادية، يمكن تفسير سبب إقدام ميانمار على تهجير الروهنغيا من أراضيهم، وحرق قراهم، لإعادة بناء مشاريع عليها.

حتى الدعم الصيني لميانمار في قضية أراكان يمكن عزوه إلى المصالح التي تربط البلدين الآسيويين، حيث تريد بكين أن تصبح ميانمار منفذا لها إلى الشرق الأوسط.

وكان صحفيون من ميانمار قالوا للأناضول إن حكومة ميانمار تؤجج التوتر العرقي، لصرف انتباه المجتمعات المحلية عن مشروع خط الأنابيب الذي يعارضه سكان أراكان.

بين عامي 1988 و2014، استثمرت الصين أكثر من 15 مليار دولار في ميانمار، معظمها كانت في التعدين والطاقة، وفق صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" الصينية، في سبتمبر / أيلول الماضي.

الصحيفة أضافت نقلا عن صوفي بويسو دو روشر، خبيرة في جنوب شرقي آسيا بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن "الصين لديها مشاريع اقتصادية رئيسية يجري العمل عليها مع حكومة ميانمار".

وأوضحت أن تلك المشاريع تشمل بناء ميناء اقتصادي بتكلفة تسعة مليارات دولار أمريكي، ومنطقة اقتصادية في منطقة كياوك فيو" بأراكان.

** من هم الروهنغيا؟

يقول مؤرخون إن كلمة "روهنغيا" جاءت من اللغة العربية.

في البداية كان يطلق على الروهنغيا "روحمانغ" من كلمة "رحمة"، ومع مرور الوقت صار يطلق عليهم "روهانغ"، إلى أن أصبحوا "روهنغيا".

وسمى الروهنغيا المدينة التي استوطنوا فيها "أراكان"، وهي أيضا مأخوذة من العربية، فكلمة "أركان" جمع "ركن".

في أراكان جماعتان عرقيتان أساسيتان، هما الروهنغيا (مسلمون)، وجماعة راخين (بوذيون)، إضافة إلى إقلية ثالثة هم السكان الأصليون للإقليم، إلا أن أعدادهم قليلة، وهم الهندوس.

يقول الروهنغيا إنهم جاؤوا إلى أراكان عبر البحر في القرن السابع الميلادي، واستوطنوا المنطقة، وكان فيها آنذاك الهندوس، ثم جاءت قبائل بوذية من الهند وبورما (ميانمار) أطلق عليهم "راخينيون".

الحكومة تدعي أن الروهنغيا ليسوا من السكان الأصليين في ميانمار، وأن مصطلح الروهنغيا حديث، واستخدم لأول مرة بعد الاستعمار البريطاني عام 1948 من جانب برلماني بنغالي يدعى عبد الغفار، وفق بيان حكومي أواخر 2016.

لكن يمكن تفنيد هذه المزاعم بالعودة إلى كتاب "المفردات المقارنة لبعض اللغات في إمبراطورية بورما"، وهو من تأليف عالم اللغة البريطاني فرانسيس بوتشانان هاميلتون عام 1799.

في ذلك الكتاب، قسّم هاميلتون اللغة التي يستخدمها سكان أراكان إلى ثلاث لهجات، وأوضح أن الأولى تحدث بها "المحمديون" ويطلق عليهم الروهنغيا، والثانية تحدث بها الهندوس وهم "الروشان"، والأخيرة استخدمها البوذيون وهم "الراخينيون" (نسبة إلى راخين).

وبالنسبة إلى أصول الروهنغيا، يقول مؤرخون إن الروهنغيا هم أعراق مختلطة ممن استقروا في أراكان خلال ازدهار الإسلام، وجاؤوا من إندونيسيا، وباكستان، والمناطق العربية، وغيرها.

** دور بريطانيا

بجانب البعدين الاقتصادي والعرقي، يوجد بعد سياسي يعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، في نهايات الاحتلال البريطاني لأراكان وبورما (ميانمار).

خلال الاستعمار البريطاني (1825 ـ 1948) كانت توجد حرية تنقل ضمن مستعمرات بريطانيا.

وكانت الشعوب من إندونيسيا وباكستان ودول أخرى يعملون بالتجارة، ويأتون إلى أراكان لهذا الغرض، ونتيجة لذلك، بدأ نجم المسلمين يتصاعد، وهذا ما أزعج البورميين البوذيين.

وما أوجد العداء بين البورميين (البوذيين) والأراكانيين، هو وقوف شعب أراكان في صف البريطانيين خلال الحرب العالمية الثانية، فيما دعم البورميون اليابانيين على الجانب الآخر من الحرب.

ويرجع وقوف الشعب الأراكاني مع بريطانيا إلى حكم الأمر الواقع، حيث كانت أراكان تحت الحكم البريطاني.

وبدأت الأغلبية البوذية آنذاك قمع المسلمين، وقتلوا 100 ألف منهم، فبدأ العديد من سكان أراكان يفرون إلى بنغلادش عام 1942.

وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية قررت بورما دعم بريطانيا كي تحصل على الاستقلال، وهذا ما حدث بالفعل.

لكن عندما قال الأراكانيون لبريطانيا: كنا أول من ساعدكم، لذا امنحونا حكما ذاتيا.. رفض البريطانيون، بل قاموا بتحريض البوذيين على قتل وتعذيب الأراكانيين، وأسسوا بذلك أزمة ما تزال مستمرة.

** إنكار هوية الروهنغيا

تعتبر حكومة ميانمار المسلمين الروهنغيا "مهاجرين غير شرعيين من بنغلادش"، فيما تصنفهم الأمم المتحدة "الأقلية الدينية الأكثر اضطهادا في العالم".

بعد استقلال ميانمار عام 1948، أصدرت ما عرف باسم "قانون المواطنة"، الذي نص على أن السكان الأصليين لبورما الذين أتوا إلى البلاد قبل عام 1823، أي قبل الاستعمار البريطاني، هم فقط من سيحصلون على الجنسية.

وادعت الحكومة حينها أن الروهنغيا جاؤوا إلى ميانمار بعد الاستعمار البريطاني، لذا اعتبرتهم أجانب، ولم تمنحهم الجنسية.

وفي عام 1982 صاغت ميانمار قانونا آخر أطلقت عليه "قانون المواطنة 1982"، طلبت بموجبه من الروهنغيا أن يقدموا وثائق تثبت أن آباءهم وأجدادهم كانوا مستوطنين في ميانمار.

إلا أن الروهنغيا لم يستطيعوا تقديم تلك الوثائق، فبعد الاستقلال حرموا بموجب "قانون المواطنة"، من التعليم والرعاية الصحية، ولم تمنحهم السلطات وثائق.

وبذلك حرم نحو 1.1 مليون مسلم روهنغي من حق المواطنة، وتعرضوا لسلسلة مجازر وعمليات تهجير، ليتحولوا إلى أقلية مضطهدة في ظل أكثرية بوذية وحكومات غير محايدة.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث