السبت 11 شوال 1445 هـ | 20/04/2024 م - 12:06 صباحاً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


داعش البوذية!
الثلاثاء | 03/01/2017 - 08:03 صباحاً

أوس الشاهين - صحيفة الأنباء الكويتية
الثلاثاء 03 - 01 - 2017

البوذية تلك «الديانة» التي لطالما عرفت بأنها التزام بالتناغم وبالسلام بأنواعه وبنبذ العنف تواجه تحديا عظيما في السنوات الأخيرة فقد ظهرت «داعش - بوذية» صارت حديث الإعلام.
فحركة (969) التي يقودها رهبان ونساك تتصدر العصابات الإرهابية التي نشطت منذ يونيو 2012 ضد الأقلية المسلمة خصوصا في غرب بورما / ميانمار.
اليوم قادة البوذية عليهم التهافت للدفاع عن إرث «الآهيزما» البالغ من العمر قرنين ونصف القرن، ففي نصوص البوذية ما يمكن التشييد عليه من أجل تحقيق السلم والأمان للإنسانية كما أن الديانات بعمومها، لما لها من أبعاد سلوكية وشخصية ونفسية واجتماعية، تتوافر لها آفاق رحبة من التغيير والتأثير والحشد.
البوذية تتطور وتتشكل منذ «صحوة» (سيدهارتا جواتاما) وخلال 1500 سنة مذ ذاك، سيطر تقليد بوذي معين على كل دولة من دول شرق آسيا بلا استثناء.
اليوم، يعتنق أكثر من 600 مليون إنسان مدرسة أو أخرى من البوذية.
هناك فروع وأفكار متنوعة ومختلفة تتصنف جغرافيا وأيديولوجيا بلا مرجعية مركزية واحدة فعلية فحتى في سنة 1000 قبل الميلاد يقال انه كان هنالك أكثر من 17 طريقة بوذية. يبقى مما تتفق عليه هذه المدارس أن التعاليم والتقاليد البوذية شاسعة ومتنوعة!
هذا التنوع والتعدد حاصل ديموغرافيا في بورما / ميانمار لكن يتم رفضه من قبل بعض معتنقي البوذية ومنهم رهبان ترجموا رفضهم إلى العنف.
لكن هل الرهبان المسلحون مظهر طارئ؟

من المهم جدا دراسة كيف اختطفت البوذية لتتحول من طريق سلام إلى رخصة قتل وإعدام وتهجير وكيف تشوهت رسالة المحبة الإنسانية إلى جرائم ضد الإنسانية؟ فما يرد من صور ومقاطع من مشاهد ألوان وصنوف عذاب يتعرض لها المسلمون في بورما / ميانمار يدمي القلب ولا يقبله عقل ولا منطق ولا ضمير.. ناهيك عن دين.
يبقى التشابك في بعض بنود «افعل» و«لا تفعل» ينتج غموضا في رؤية البوذية للسلام والتناغم، فمثلا ومع عالم الحيوان، فإن البوذا الأول لم يكن نباتيا لكنه أوصى بألا يعمل البوذي جزارا، كما أن الروايات تورد عدم رفضه أكل اللحم لكن امتعاضه من ذبح حيوان لإطعامه.
مثال شائك أكثر سيكون موضوع السلام عموما واللجوء للقوة.
ففي عالم «الإنسان»، يروى من تعاليم البوذا أن الإنسان عليه أن يخاف من العنف ويحب الحياة وأن يؤمن بأن التسامح والصفح يتطلبان شجاعة أكبر من تلك التي يتطلبها العنف وأن تحرره يأتي من تجاهله لمن اعتدى عليه، فالحقيقة الرابعة من «الحقائق النبيلة» تحظر على البوذي القتل.
رغم ذلك، إلا أن القتال مسموح به متى ما كان يجنب البوذي مزيدا من العنف والدمار ليصبح أخف الضررين، ولأن الحرب دفاع عن الديانة أو الوطن أو في بعض الأحيان الحاكم مقبولة، فالحاكم الذي يحمي البوذية يسعه اتخاذ كل ما يلزم.
يذكر (J Ferguson) في كتابه «الحرب والسلام في أديان العالم» أن هناك قيودا عديدة إذا ما تم كسرها تجعل القتل ذنبا، منها نية القتل والقتل بدافع الكراهية ومن أجل شهوة الدم.
ويبقى في نهاية اليوم وبناء على تعلق البوذية بالقدر، أن من قتل كان محتما عليه أن يقتل. ويضيف باحث آخر أنه أيا كان الوضع فمن المحرم على الرهبان أن يصدروا بشكل مباشر أوامر القتل.

في 2013 كتبت الـ«غارديان» عن رجل اعتيادي حليق الرأس يرتدي أشبه ما يكون بالإحرام متربع على الأرض يتمتم مهتزا بأناة لكنه هشم الصورة النمطية للرهبان.
فهو مدان بإثارة الكراهية وقضى من محكوميته سبع سنوات قبل أن يخرج بعفو عام في 2010.
من ضمن ما يدعو له هذا الراهب «الشاذ» ترحيل الروهينجيا وفرض حظر اقتصادي عليهم وحظر التزاوج معهم «للحفاظ على الهوية الوطنية» ولا يتردد في قذف المسلمين بأقدح الأوصاف وبحسب الـ «نيويورك تايمز» فقد وصلت به القسوة أن وصف مذبحة بحق طلبة مدرسة بأنها «استعراض للقوة»! إلا أنه يعتبر تذكية للذبح وتهديد للسلم العالمي إذ أنها تجعل منظر الدماء مألوفا!
يدعي الرجل ذاته أنه يمكن عمل صداقات مع المسلمين متى ما تعاملوا معه على أساس أنه شخصية دينية مهمة واجب احترامها.
ويراثو الذي يرأس معبدا كبيرا في (ماندالاي) يؤمه ألوف الرهبان الذين باتوا يرددون خطاب الكراهية ذاته، سار بحركته (969) التي أسسها في 2001 نحو التوسع الإقليمي ويرى ما يفعله مجرد معركة ضد هدف أول تليه أهداف مسلمة أخرى! فقد زار سريلانكا في 2014 متواصلا مع جهة بوذية عنصرية هناك متهمة بالتحريض على العنف ضد المسلمين وحرق متاجرهم ومنازلهم في أحداث جرت في يونيو من ذات العام.
ليس الخطاب الديني والرمزية الدينية وحدهما من تتم إساءة استغلالهما لإذكاء إرهاب بعض البوذيين بل حتى غض الطرف عنه من قبل الحكومات والمسؤولين أو تواطؤهم وكذلك العنصرية القومية والنزعة العرقية وتخلخل المنظومة الاجتماعية وعدم فاعلية النظام السياسي وهشاشة الدولة ومظلوميات الماضي والإسلاموفوبيا والاستثمار غير المستبعد للجيش الذي هيمن على البلاد لعقود في النزاعات العرقية والدينية ليبرر بقاءه بالضرورة الأمنية، كما أن بعض المحللين يعتقد أن للسياسيين البوذيين نصيبا من عوائد استثمار هذه المحنة حتى يتوحد خلفهم العامة بدافع الخوف من الآخر والخطاب القومي العنصري... ويبقى عامل رئيسي هو الصمت وأحيانا التواطؤ البوذي!
فترحيل الروهينجيا كان مقترحا تقدم به الرئيس (ثين سين) في 2012 وهو من حظر تداول نسخ مجلة الـ «تايم» التي حملت على غلافها صورة ويراثو مع مانشيت «وجه الإرهاب البوذي» وقد حصل الأمر نفسه في سريلانكا أيضا.
كما أوردت Human Rights Watch في واحد من تقاريرها عن تلك البلاد أن رجال شرطة بزيهم الرسمي أخلوا التقاطعات المرورية حتى يمر موكب ويراثو بيسر.

بينما دير «سوسانا رامزي» وهو الدير البوذي البورمي الأبرز في الخارج قد منح ويراثو جائزة حرية الأديان بحسب الغارديان! أما «رئيسة» البلاد الحالية، وهي أول شخصية مدنية ومنتخبة منذ أكثر من عقدين والحائزة على جائزة نوبل للسلام، فقد تلكأت في إدانة ويراثو وحركة (969) لتثبت أنه ليس بالضرورة أن يدافع عن حقوق غيره من كان يوما ما ضحية لانتهاكات!
الواجب يقع على عاتق من يتم التكلم باسم البوذية بإبراز أنها جزء من الحل لا من المشكلة وبالسعي من أجل ألا تطغى المخاوف والنبوءات بفناء البوذية على أحلام البوذا الأول بعالم مسالم وسلمي!
كلمات أخر: تتدافع مآسي ومصائب ومحن المسلمين في دول العالم المختلفة لشد انتباهنا.. المقال محاولة مضادة ألا تنسينا إحداها الأخرى!


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث