الخميس 18 رمضان 1445 هـ | 28/03/2024 م - 09:52 مساءً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


كان اسمها.. بورما !
الأربعاء | 13/07/2016 - 02:33 مساءً

د. زيد حمزة - الرأي
الثلاثاء 2016-07-12

من منا يفكر في السفر الى تلك البلاد الحارة التي كان اسمها بورما وأصبحت اليوم تدعى ميانمار؟ لكنها جمعية اصدقاء الآثار والتراث التي يعود لها الفضل في إتحافنا بين الحين والآخر بتنظيم رحلة مختلفة (نوعيا) الى إحدى جهات الدنيا، وكانت هذه المرة الى بورما وفيتنام.. وشتان ما بينهما !

لقد عرف جيلنا بورما اكثر ما عرفها في الحرب العالمية الثانية اثناء المعارك الطاحنة بين قوات الحلفاء والقوات اليابانية التي كانت قد احتلتها منذ العام 1942 وأذاقت شعبها مر العذاب وكأنه لم يكفه ما ذاق على ايدي المستعمرين البريطانيين لاكثر من مائة سنة ! وحين انهزم الجيش الياباني عام 1945 في معركة كبرى اذكر ان هوليود أخرجتها بعد ذلك في فيلم سينمائي ضخم بعنوان ( الهدف بورما ) Objective Burma وكان محض دعاية لبطولات الجيش الاميركي الخارقة ولم يذكر شيئا عن المقاومة الوطنية البورمية التي أبت أن تستبدل استعماراً بآخر، وتابعت نضالها حتى الاستقلال عام 1948 ، وفي عام 1955 شارك أونو Uno رئيس حكومة بورما الوطنية في مؤتمر باندونغ بتأسيس حركة عدم الانحياز مع الزعماء التاريخيين لكلٍ من الهند (نهرو) ومصر (عبد الناصر) ويوغوسلافيا (تيتو) واندونيسيا (سوكارنو).. فمن ذا الذي يمكن ان ينسى تلك الايام المجيدة من تاريخ نضال الشعوب ؟!

لكن.. كما حدث في بعض بلادنا باسم التصحيح قام العسكر منذ عام 1962 بسلسلة انقلابات دمرت اقتصاد بورما وعزلتها عن ركب التقدم واغتالت الديمقراطية واجهضت حقوق الانسان وكان من الطبيعي ان تنشأ فيها معارضة للحكم الدكتاتوري قادتها ( الرابطة الوطنية من اجل الديمقراطية) برئاسة السيدة سان سوكي San Suu kyi (ابنة Aung San احد الزعماء الاوائل للحركة الوطنية) وتعرف الاجيال الحاضرة جيداً صمودها فقد اضطهدها الحكم العسكري ووضعها قيد الاقامة الجبرية لسنوات طويلة رغم فوز حزبها في الانتخابات النيابية عام 1991، وقد استغل الغرب ذلك ودعمها اعلاميا..!

في رحلتنا الى ميانمار في منتصف أيار الماضي لاحظ بعضنا ونحن نحلق فوق عاصمتها يانغون (التي كان اسمها رانغون) والوقت قد دخل في ظلمة المساء المتأخر أن اضواء شوارعها وبيوتها وسياراتها وميادينها لم تكن متلألئة كما تعودنا ان نرى من الجو معظم مدن العالم بل كانت باهتة خافتة متفرقة وكأنها قد أطفئت بعد انذار بغارة جوية، أو أنها فقيرة ! وصدق حدسنا الأخير بعد ان طفنا فيها وفي سواها من مدن ميانمار لستة ايام كان أبرز ما شاهدناه المعابد البوذية (البادوغا Padogas ) ذات الاشكال المخروطية الجميلة ويربو عددها على ثلاثة آلاف من مختلف الاحجام واكثرها في مدينة باغان والاراضي المحيطة بها لانها (كما قيل لنا) تقدست ذات يوم بوجود بوذا نفسه ، وربما كان أهمها شأنا ذلك الشامخ كالهرم في قلب العاصمة يانغون وقد طلي بالكامل بماء الذهب ليضيء ساطعاً بشمس النهار ويلمع باهراً بالانوار المسلطة عليه ليلاً ، أما الأمر الطريف الذي لا ننساه ونحن نتجول في ساحات تلك المعابد تحت اشعة الشمس اللاهبة اننا كنا نتقافز فوق البلاط الساخن وهو يلسع اقدامنا حيث تقضي التعاليم بان نكون حفاةً حتى من الجوارب !

من أسئلتنا التي لم تحرج دليلنا السياحي واحد عن الأقلية المسلمة (الروهينغا) والعنف المسلط عليها بزعم انها مهاجرة من بنغلادش بل طمأننا بقوله – كما تقول البيانات الحكومية عادةً – أن الأمور الآن هادئة، لكنه بالمقابل لم يحرجنا بالحديث عما نعرفه من دوْر المدارس الدينية التي أنشأتها بعض دول الخليج في منطقة الروهينغا تابعةً لتلك التي في باكستان وبنغلادش !

ونحن نتنقل بين المدن بالطائرة سألنا عن القطارات فكان الجواب لقد ألغتها الحكومة العسكرية منذ وقت طويل ما ذكرني بقرار الدكتاتور السوداني جعفر النميري في ثمانينات القرن الماضي بأغلاق السكك الحديدية حتى يتخلص من معارضة اتحاد نقابات العمال الذي كان يعتمد في قوته على عمالها!

وبعد.. ماذا عن المرأة في ميانمار ؟ إنها ليست معلبة أو مخبأة أو محجوبة عن الانظار كما في بعض مجتمعاتنا بل مشاركة في كل نشاطات الحياة التي شهدناها ، فهي البائعة الاولى في الاسواق الشعبية للخضار والفواكه والاسماك ، وهي العاملة الاهم في المدن والقرى الفقيرة ، في مغازل الحرير ونسيج التيوليب والمشاغل اليدوية لأواني اللاكر من اغصان البامبو ، وهي المديرة الناجحة في ارقى المنتجعات السياحية كتلك التي على شاطئ بحيرة إنلي Inle Lake وهي التي تستعمل الدراجة النارية بكثرة لافتة حاملة معها أفراد عائلتها أو بضاعتها، وأخيراً لا آخراً هي المرأة السياسية الاشهر سان سوكي التي مالانت وهي تقارع منذ عقود الدكتاتورية العسكرية حتى اجبرتها على الاعتراف بها وبحزبها فأشركتها مؤخرا في الحكومة ، لكننا.. من خبرات سابقة، نتوجس خيفة عليها وتساورنا الشكوك حين نراها محاطة بحفاوة الغرب!


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث