الثلاثاء 9 رمضان 1445 هـ | 19/03/2024 م - 04:03 مساءً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


مسلمو بورما : قتل على الهوية وعالم يتفرج
الخميس | 02/06/2016 - 09:09 صباحاً

صلاح الدين الجورشي - صحيفة الضمير
1 - 6 - 2016

كلما وردت على بريدي الألكتروني رسائل مصورة عما يحدث للأقلية المسلمة في دولة بورما، حتى أستغرب المعلومات التي تصلني عن المجازر التي يتعرض لها هؤلاء المسلمون الفقراء والبؤساء. ونظرا لكون الكثير من هذه المعلومات تصدر عن جهات غير محايدة، وتوظف من قبل جمعيات أو تنظيمات قريبة من الإسلاميين ومن السلفيين تحديدا، كنت أخشى أن تكون تلك المعلومات موظفة بطريقة من شأنها تغذي نزعات الحقد ضد المختلفين في الدين والعقيدة. فالمتهمون بارتكاب هذه الجرائم ضد المدنيين المسلمة هم الأغلبية البوذية الحاكمة في بورما. لكن عندما ترد عليك شهادات قاسية من قبل باحثين موضوعيين وجمعيات حقوقية، فإن الأمر سيكون مختلفا، وسيصبح السؤال مشروعا عن الأسباب الحقيقة التي تجعل العالم في القرن الواحد والعشرين عاجزا عن وضع لحد لهذه الفضيحة المستمرة على مرأى ومسمع من الجميع؟

حصلت بورما على استقلالها خلال سنة 1948، وقد كانت محتلة لفترة طويلة من قبل البريطانيين. ورغم أن شعبها متعدد الأعراق والديانات، إلا أن البوذيين يمثلون الأغلبية الواسعة من السكان، في حين أن المسلمين لا يتجاوز نسبتهم 5 بالمائة من الشعب، غير أنهم يعاملون بكثير من القسوة بحجة أنهم “مجرد وافدين مؤقتين في بلد ليست لهم”، وهو ادعاء باطل من الناحية التاريخية، ويندرج ضمن الأيديولوجية العنصرية المعتمدة من قبل هؤلاء المتطرفين.

لم يتمكن المسلمون في بورما من أن يدافعوا عن حقوقهم الأساسية، وذلك نظرا لوجود تواطؤ بين المؤسسة العسكرية الماسكة بالسلطة منذ عام 1962 وبين الجماعات الراديكالية البوذية التي تولى قيادتها رجال دين مهوسين بأفكار متوترة ضد الإسلام، ويحرضون أتباعهم ضد الأقلية الإسلامية من أجل القضاء على هذه الأقلية، أو تهجيرها بكل الوسائل بما في ذلك حرق البيوت وهدمها، وتعذيب المسلمين بشتى الوسائل الحشية، ومزيد إرهابهم عبر إعدامهم بطريقة جماعية.

لم تعد هذه المعطيات سرية، ولا ينقصها التوثيق أو الوقائع الدالة على مدى وحشيتها، إذ سبق للمنظمة الأمريكية “هيومن رايتس ووتش” أن أدانتها ووثقت العديد من هذه الجرائم، وتعتبر شهادة الباحث فيليب روبرتسون مهمة في هذا السياق والتي أدلى بها لصحيفة لوبوان الفرنسية خلال سنة 2013. كما سبق للأمم المتحدة أن نددت بما يجري واعتبرت أن أقلية ريهنغياس التي تعيش داخل بورما “تعتبر الأكثر عرضة للاضطهاد في العالم”، وهي الأقلية المسلمة التي يلاحق أبناؤها لمنعهم من ممارسة حقهم في التعليم أو في الزواج.

لا يوجد أي مبرر للسكوت عن هذه المجازر المستمرة ضد هؤلاء المسلمين، والذين يعاقبون أساسا لكونهم يؤمنون بدين غير دين أغلبية سكان بورما. والغريب أن هناك أقلية دينية أخرى موجودة وهي الأقلية المسيحية، إلا أنها لم تتعرض لأي أذى من قبل الأغلبية البوذية. وهو ما يعني أن المسلمين فقط هم المستهدفون من حملة التطهير الديني التي يمارسها بوعي وتخطيط متعصبون وعنصريون يتلقون الدعم بأشكال متعددة من قبل نظام عسكري دكتاتوري شرس يرعى المعتدين ولا يوفر الحد الأدنى من الضحايا، بل هناك شهادات موثقة تكشف تورط بعض الجنود في إطلاق النار على السكان المسلمين أثناء محاولتهم إطفاء النيران التي تم إشعالها عمدا لإحراق بيوتهم. والأشد غرابة أن المعارضة في بورما، رغم الاضطهاد التي تعرضت له على أيدي العسكر لم تتخذ موقف ضد ما يجري وذلك لحسابات لا تزال مجهولة لكنها مشبوهة ومرفوضة. كذلك الشأن بالنسبة إلى إحدى الشخصيات الهامة في بورما والتي تم تكريمها عالميا وحصلت على جائزة نوبل، ورغم أن هذه الشخصية تم احترامها بسبب دفاعها عن حقوق الإنسان، إلا أنها فضلت الصمت عندما تعلق الأمر بقتل المسلمين من بلده وبسبب معتقداتهم. فماذا بقي من حقوق الإنسان إذا لم يستحق هؤلاء أن يرفع صوت لاستنكار ما يحصل لهم من تعذيب وقتل وتهجير. إنها قمة الازدواجية التي لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال.

السؤال المحير هو كيف عجز المجتمع الدولي عن وضع حد لهذه الجريمة، إذ لا يعقل أن تستمر عمليات القتل الجماعي لمدنيين عزل منهم عدد كبير من الشباب والنساء والشيوخ والأطفال دون أن تنتفض منظمات حقوق الإنسان العالمية، ويتخذ مجلس الأمن قرارات حاسمة لمعاقبة حكومة بورما وقيادتها العسكرية.

عندما أقدم تنظيم “داعش” على حرق الطيار الأردني، قامت الدنيا ولم تقعد، وكان ذلك رد فعل مشروع على جريمة نكراء، لكن ما يجري في بورما قد تجاوز تلك الفظاعة بدرجات، ومع ذلك استمرت الجرائم واستمر المجرمون دون عقاب. في حين أن هذا التجاهل وأحيانا غض الطرف ليس بعيدا كليا عما يدور ويحدث في الشرق الأوسط. فمأساة المسلمين في بورما تتخذ من قبل التنظيمات المتطرفة كإحدى المبررات للقول بوجود مؤامر عالمية ضد الإسلام والمسلمين. وأن التباطؤ الغربي والعالمي وعدم الإسراع لإنقاذ هؤلاء الأبرياء ليس سوى دليلا على وجود رغبة للانتقام من أتباع محمد بن عبد الله. وأن الرد على ذلك يجب أن يكون من جنس الفعل. هذا ما يكتب بالعشرات من المواقع وما يقال في خطب هؤلاء وما تنفذه بعض هذه الجماعات. فالتطرف يتغذى من بعضه، ولا أهمية للجغرافيا في هذا، ترتكب الجريمة في بورما، ويحصل رد الفعل في سوريا أو العراق.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث