الخميس 18 رمضان 1445 هـ | 28/03/2024 م - 06:35 مساءً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


مسلمو الروهنجيا، مأساة جنوب شرق آسيا الحقيقية
الثلاثاء | 03/05/2016 - 02:42 مساءً

نور الدين عبد الكريم - جولة أخبار
02 - 05 - 2016

في الخامس والعشرين من شهر مايو الماضي أعلنت وزارة الداخلية الماليزية عثورها على حوالي 139 قبراً لمجهولين في منطقة برليس الواقعة شمال ماليزيا على الحدود الجنوبية من مملكة تايلاند. وفي الشهر ذاته أعلنت الحكومة التايلاندية عثورها على مقابر جماعية تحوي حوالي 30 جثة في المنطقة الحدودية مع ماليزيا. تزامن العثور على هذه المقابر الجماعية مع وصول بعض الزوارق والسفن المتهالكة والتي تحمل على ظهرها آلاف المهاجرين إلى السواحل الماليزية والأندونيسية طالبة اللجوء الإنساني وباحثة عن المأمن والنجاة. لم يتم حتى اليوم التعرف على أصحاب هذه الجثث ولا تحديد هوياتهم بعد، لكن أغلب الاحتمالات الرسمية في البلدين ترجح أنها تعود لمهاجرين من عرق الروهينجيا المسلم القادم من دولة ميانمار (بورما سابقاً) القريبة. كما ترجح التحقيقات والمتابعات أن أصحاب هذه الجثث قد وقعوا ضحية لعصابات التهريب والاتجار البشري.
يفر المهاجرون الروهينجيون من خطر الموت والتعذيب والتطهير العرقي الذي يجريه عليهم نظام الحكم العسكري في ميانمار، فيفروا من قبضة البطش والطغيان ليقعوا ضحية الجشع والإتجار البشري. حيث تقول بعض التقارير الرسمية أنه يتم إيهام المهاجر الروهينجي بأن مبلغ 200 دولار أمريكي ستكون كافية لتهريبه إلى مكان آمن في ماليزيا أو أندونيسيا، ولكن بمجرد أن يبدأ رحلته يتم نقله إلى معسكرات سرية تديرها عصابات تهريب وقد خصصتها لاعتقال المهاجرين الغير شرعيين وابتزازهم. حيث يطالبونهم بعد أن يصبحوا تحت أسرهم في هذه المعسكرات بالتواصل مع أقاربهم وطلب دفع المزيد من المبالغ المالية التي قد تصل إلى ألف دولار أمريكي عن كل فرد، وذلك كي يتم نقلهم إلى الوجهة التي تم الاتفاق عليها وإلا فإن مصيراً مجهولاً سيكون بانتظارهم، والذي عادة ما ينتهي إما بالموت تحت التعذيب، أو انتزاع بعض الأعضاء البشرية منهم والمتاجرة بها، أو بيع النساء منهم واستغلالهن في الأنشطة الجنسية. 
لو أردنا أن نعرف الأسباب الرئيسية التي تدفع مهاجري الروهينجيا للمخاطرة بأرواحهم وحياتهم على الرغم من معرفتهم المسبقة باحتمال وقوعهم ضحايا لابتزاز وغدر عصابات التهريب إن فرضنا أن أخبار من سبقهم قد وصلتهم؛ فإنه يجب علينا الوقوف على حقيقة ما يجري لهم في بلادهم وما هي طبيعة أزمة الهوية والدين التي يواجهون.
فتذكر بعض الدراسات التاريخية أن الإسلام وصل ميانمار في بدايات القرن الثامن الميلادي، وكان البدء بالتحديد في منطقة آراكان الساحلية. لم تكن المنطقة حينها معروفة كدولة واحدة متحدة، وإنما كانت عبارة عن ممالك متفرقة، متجاورة ومتقاتلة فيما بينها. لم يشكل الإسلام حين دخوله كدين جديد تغييرا جذريا في حياة السكان المحليين. وإنما وعلى مر السنين اعتنق بعض شعب ميانمار الإسلام في مناطق مختلفة -حسب المكان المجاور الذي جاء منه ناشروا هذا الدين الحنيف- فكانت في أغلبها ثلاث مناطق، وهي: (1) الساحل الجنوبي حيث انتشر الإسلام عن طريق التجار العرب والهنود. (2) الحدود الشمالية المحاذية للصين عن طريق مسلمي الصين والتتار. (3) الحدود الغربية المحاذية للهند وبنجلادش.
وبناءً على ذلك انقسم المسلمون إلى أربعة أعراق حسب لهجاتهم وأصولهم هي: (1) مسلمو الباثي والميدو والذين يطلق عليهم مسلمو إقليم بورما. (2) مسلمو اقليم آراكان وهم مسلمو الروهينجيا. (3) مسلمو البانــــثي وهم المسلمون من أصول صينية. (4) مسلمو المالايو على الحدود المحاذية لتايلاند والقريبة من ماليزيا.
وقد تعايش المسلمون مع أقرانهم من السكان المحليين وانخرطوا معهم في النزاعات والخلافات التي كانت دائرة بين الممالك المتعددة في تلك المنطقة. فقد تزامن انتشار الإسلام مع ظهور المملكة الآراكانية التي أسسها الملك ماروك يو. وإن كان الصراع قائماً بين تلك الممالك فهو لم يأخذ شكل الصراع الديني والعرقي وإنما كان صراعا على السلطة والحكم، وقد انخرط فيه المسلمون كغيرهم من البوذيين المقيمين في هذه الممالك. ومع مرور السنين كان لهم دور أساسي في أخذ مراكز حساسة في هذه الممالك بعد أن قربهم إليهم مختلف الملوك؛ فكان لهم مراكز معتبرة في الجيوش، والإدارة، والتعليم، والسياسة. وبقي الحال على ذلك إلى أن حلّ كل من الإستعمار البريطاني والياباني حيث أخذت الخلافات في زمن الاستعمار تتجه في منحى ديني وعرقي. فقد درجت رواية تتهم المحتل البريطاني بتعمد تغيير الخريطة البشرية للمنطقة عن طريق إحضار أعداد كبيرة من مسلمي الهند وبنجلادش وتوطينهم في منطقة آراكان، الأمر الذي أثار غضب وحنق السكان البوذيين وقيل أيضا أنه استخدمهم في حربه العسكرية ضد تمدد ونفوذ المستعمر الياباني الذي قام بدوره بتوظيف المقاتلين البوذيين ليكونوا في صفّه.
وعلى الرغم من انتشار هذه الرواية إلا أن الدكتور مينت ثين عبد السلام يعتقد بسذاجة هذه الرواية، حيث أثبت في دراسته التي ناقش فيها مشكلة هوية مسلمي ميانمار أن الهنود المسلمين قد استوطنوا إقليم الآراكان قبل قدوم المستعمر بمآت السنين، وأنهم انخرطوا وتعايشوا مع غيرهم من الشعب وساهموا في نشر الإسلام كما تم ذكره سابقاً.
وبعيداً عن التصحيح والترجيح بين هاتين الروايتين، فما نعرفه هو أن الحاكم العسكري نِــي وِين الذي قاد انقلاباً عسكرياً على الحكومة عام 1962؛ قد اعتمد الرواية الأولى، وتحجج بها ليسن قانوناً عن طريق برلمان شكلي يلغي به حق المواطنة لمسلمي الروهينجيا. فمن بين مختلف الأعراق التي تتكون منها دولة ميانمار والتي تصلى إلى حوالي 144 عرق، رفض نِـــي وِين الاعتراف بالعرق الروهينجي بحجة أن المستعمر هو من استقدمه من الهند وبنجلادش ووطنه بغير حق. مع العلم أن عرق داينيت يعتنق أصحابه الديانة البوذية، وتعود أصوله إلى بنجلادش، ويستوطن أيضا منطقة آراكان، ولكن لم يشمله هذا القانون الجائر. وهذا ما يثبت أن المشكلة بالأساس حول الهوية الدينية.
وبسبب هذا القانون الجائر وجد مسلموا الروهينجيا والبالغ عددهم حوالي ثلاثة ملايين ونصف مليون مسلم -أي نصف عدد مسلمي ميانمار تقريباً- وجدوا أنفسهم بدون أدنى حقوق بسيطة للمواطنة والعيش الكريم على أرضهم، فهم بدون هوية وطنية، ومحرومون من التعليم والتوظيف والزواج والتملّك والانتفاع بالمؤسسات الصحية، والأهم أيضا أنهم محرومون من حرية ممارسة دينهم وعباداتهم. وبالتالي تعرضوا إلى أبشع أنواع التطهير العرقي والطرد الجماعي، وتتابعت عليهم مآسي المجازر الجماعية.
ونتج عن هذا تهجير حوالي مليون ونصف منهم إلى دول مجاورة مثل ماليزيا وتايلاند وأندونيسيا وبنجلادش، وأخرى كباكستان والسعودية. ولا زالت معاناتهم مستمرة، وما محاولات ركوب البحر عبر زوارق متهالكة والمخاطرة بتسليم أرواحهم لعصابات التهريب والاتجار بالبشر إلا أحد أطواق النجاة التي وجدوا أنفسهم مضطرين إليها ولا بديل لهم عن خوضها أمام ما يعيشونه من إجرام.
في زمن ضعف وتنازع واقتتال الدول الإسلامية والعربية فيما بينها تجد الأقليات المسلمة نفسها بدون ظهير ومعدومة السند، وفي وقت كهذا لا نستغرب من الحكومة العسكرية الحالية في ميانمار أن تخاطب الدول المجاورة وتطالبهم بعدم التدخل فيما يحصل على أرضها، بحجة أن ذلك شأن داخلي محض.
بل لا نتعجب أيضا حينما نجد أن مسؤولا في منصب مهم في وزارة الخارجية يعتبر أن الحيلولة دون إضافة ملف مسلمي الروهينجيا إلى أجندة مؤتمر عام 2014 لرابطة دول جنوب شرق آسيا يعد نجاحاً باهراً للحكومة، وفوق كل ذلك ينكر وجود مأساة مهاجرين روهينجيين، ويدعي أن من يركبون هذه الزوارق هم سكان دول مجاورة –على الأغلب من بنجلادش- يدّعون كذبا أنهم من عِرق الروهينجيا ليحصلوا على لجوء في دول أفضل حالاً من دولهم، مستغلين بذلك -حسب زعمه- خلافاً داخلياً بين مسلمين وبوذيين تحرص الحكومة على تهدئته.
في زمن كهذا لا يملك شعب الروهينجيا –للأسف- إلا أن يكرر جملة قالها ثائر عربي رأى قوى الظلم والبطش والقتل تتكالب عليه من كل حدب وصوب أمام مرأى ومسمع من مجتمع ودول عظمى لا يحركها إلا مصالحها وأهواؤها الذاتية؛ فقال: “يا الله، ما لنا غيرك يا الله”.
عسى أن يكون الفرج قريباً.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث