الجمعة 19 رمضان 1445 هـ | 29/03/2024 م - 12:27 صباحاً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


بورما.. وحكم «العسكر»
الأحد | 20/03/2016 - 08:55 صباحاً

د. عبد الله المدني - الاتحاد الإماراتية
18 مارس 2016

يتفاءل الشعب البورمي اليوم بالمنعطف الجديد الذي قد ينقل بلادهم التعيسة إلى حالة جديدة تجتث ما زرعه فيها العسكر على مدى عقود من الزمن من قمع وتسيب وفساد وإخفاقات على مختلف الصعد، وترتقي بمستوياتهم المعيشية. ونقصد بالمنعطف الجديد إسدال الستار على البرلمان القديم الذي هيمن عليه العسكر، وبدء عمل البرلمان الجديد المنبثق عن الانتخابات التشريعية التي جرت في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 وحققت فيها المعارضة بقيادة أونج سان سو تشي زعيمة حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" فوزا كاسحا.

لقد كان المأمول أن تكون بورما لحظة استقلالها عن بريطانيا في كانون الثاني (يناير) 1948 نموذجا للديمقراطية التعددية في آسيا كما الحال في جارتها الهند. وهي لئن بدأت خطوات جادة في هذا الطريق عبر وضع دستور متقدم، وتشكيل حكومة مدنية منتخبة برئاسة "أونو" الذي برز في الخمسينيات كأحد قادة آسيا المرموقين من خلال مؤتمر باندونج، فإنها سرعان ما وقعت فريسة لطموحات العسكر السلطوية. ففي عام 1962 قام قائد الجيش ذو الأصول الصينية الجنرال "ني وين" (اسم حركي يعني الابن اللامع) باستنساخ ما قام به نظراؤه في بعض دول العالم الثالث حديثة الاستقلال. وبعبارة أخرى استولى على السلطة، وشكل مجلسا ثوريا كبديل للحكومة المدنية وأوقف العمل بالدستور، بل قام هو ورفاقه من أصحاب البزات الكاكية بأمور أكثر استهجانا وحماقة تمثلت في تطبيق نظام اشتراكي مشوه، وإطلاق برنامج للحكم والإدارة يتسم بالمركزية الشديدة، معطوفا على ممارسة القمع ضد الأقليات، وطرد الأجانب بعد تأميم ممتلكاتهم، وعزل البلاد عن محيطها الخارجي، الأمر الذي أدى إلى توقف الاستثمارات الأجنبية، وانتشار الفقر، وانهيار الاقتصاد الذي كان يتوقع له في ذلك الزمن المبكر أن يكون ضمن الاقتصادات الآسيوية البارزة بسبب متانة البنية التحتية والإدارية وتنوع موارد البلاد.

استمر نظام "ني وين" مذاك وحتى عام 1988، حينما قرر صاحبه تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية المتأثرة بتطورات الأحداث في الاتحاد السوفياتي السابق ودول الكتلة الشرقية التقاعد وترك مسؤوليات البلاد في يد حفنة من تلامذته الذين شكلوا ما عرف بـ "مجلس الدولة للقانون والنظام" (تغير اسمه لاحقا إلى مجلس الدولة للسلام والتنمية). غير أن التلامذة فاقوا أستاذهم لجهة القمع الوحشي، والفساد والنهب، وخرق حقوق الإنسان، وعزل البلاد عن العالم الخارجي. ولعل من أكبر جرائم الطغمة العسكرية التي خلفت "ني وين" في السلطة من عام 1988 وحتى 2011 هو تدمير الاقتصاد البورمي إلى درجة تصنيف البلاد من قبل الهيئات الأممية ضمن الدول الأشد فقرا في العالم، على الرغم من امتلاكها احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي، إضافة إلى ثروتها الزراعية وثروتها من الأحجار الكريمة.

وقد قررت رابطة أمم جنوب شرق آسيا المعروفة باسم آسيان على مضض منح عضويتها لبورما في عام 1997 على أمل أن يستقيم سلوك قادتها العسكريين ويقدموا على شيء من الإصلاحات الاقتصادية على الأقل. بل إن الرابطة حاولت بعد ذلك إنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا البلد عن طريق إغداق المساعدات عليه لتأهيل اقتصاده، غير أن العبء كان كبيرا جدا، ثم تضاعف العبء مع انفجار الأزمة الاقتصادية الآسيوية في عام 1989.

وهكذا تأخرت الإصلاحات الاقتصادية في بورما كثيرا ولم يلمس شعبها علاماتها إلا أخيرا، حينما سمحت السلطات بفتح القطاع المصرفي المحلي أمام المنافسة الأجنبية، علما أن هذا القطاع الحيوي ظل مغلقا لعقود أمام الاستثمارات الخارجية ما أدى إلى تخلف البنية التحتية المالية للبلاد، وبالتالي خشية المواطنين من التعامل مع المصارف وأدواتها كالشيكات وحسابات الادخار، وتفضيلهم التعامل بالمبالغ النقدية.

هذا المشهد يبدو أنه الآن إلى تغير، بدليل أن السلطة التي ورثت حكم العسكر أعطت أخيرا موافقتها الأولية لأربعة مصارف أجنبية للعمل في بورما لأول مرة منذ مطلع الستينيات. وهذه المصارف هي: "بنك الاستثمار والتنمية" الفيتنامي، و"ستيت بانك" الهندي، و"سينهان بانك" الكوري الجنوبي، و"البنك التجاري" التايواني. وستنضم هذه المصارف إلى مصرف "بانك أوف طوكيو" الياباني الذي كان الأول لجهة تأسيس فرع في بورما في نيسان (أبريل) 2015، وإلى "المؤسسة المصرفية الصينية لما وراء البحار" التي تتخذ من سنغافورة مركزا رئيسا لها. ويتوقع المراقبون أن يتوسع حجم الاقتصاد البورمي أكثر من أربعة أضعاف بحلول عام 2030 شريطة المحافظة على الاستقرار السياسي، والاستغلال الأمثل لموارد الطاقة والتعدين والزراعة، وإنشاء البنى التحتية المشجعة للمستثمرين الغربيين والآسيويين على نقل مصانع من الصين وهونج كونج وكوريا وسنغافورة وتايلاند إلى بورما للاستفادة من الأيدي العاملة الأرخص ومستويات المعيشة الأدنى في منطقة شرق آسيا.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث