الجمعة 10 شوال 1445 هـ | 19/04/2024 م - 11:12 مساءً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


عن ازدراء الديانة البوذية!
الأربعاء | 09/03/2016 - 09:02 صباحاً

نصار عبد الله - المصري اليوم
الأحد 6 مارس 2016

مؤخرا.. أصدرت إحدى المحاكم فى بورما (التى تعرف أيضا بميانمار) حكما بالحبس لمدة عامين على الكاتب «هتين لين أُو» بتهمة ازدراء الديانة البوذية!!..

كان الكاتب «لين أو» قد نشر مقالا فى إحدى الصحف المحلية يندد فيه بما يتعرض له مسلمو الروهنجا من الفظائع التى وصلت فى مرحلة ما إلى حد التصفيات الدموية الممنهجة.. وقال «أُو» إن من العار أن نتعامل مع مسلمى الروهنجا جميعا باعتبارهم مجرمين بالفعل، أو أن نتعامل معهم باعتبارهم مشروعات محتملة لمجرمين وإرهابيين فى المستقبل، لمجرد أن عددا منهم قد ارتكبوا بعض الجرائم فعلا...الذين ثبت ضلوعهم فى تلك الجرائم يتعين أن يحاسبوا بكل شدة وحسم..أما سواهم فينبغى ألا نمارس ضدهم أى شكل من أشكال التنكيل، أو أن نبارك مثل هذا التنكيل، أو أن نتغاضى عنه لمجرد كونهم مسلمين.. لا يخلو الأمر فى أى ديانة فى الدنيا - إسلاما كانت أو غير إسلام - من أن يكون من بين معتنقيها متعصبون، وأن يكون من بينهم أيضا مجرمون وإرهابيون.. كل الأديان فى هذا سواء بما فى ذلك ديانتنا ذاتها!..

ورغم أن «لين أو» لم يصدر منه ما ينم عن أنه يزدرى الديانة البوذية ولا أى ديانة أخرى، بل كان كلامه كله منصبا على انتقاد التوظيف السياسى للدين بوجه عام وتحويله إلى طاقة عدوانية ضد الأقليات، وبوجه خاص ضد أقلية الروهنجا المسلمة التى كان تعدادها فى مطلع القرن الحالى يبلغ نحو 4% من سكان ميانمار ثم تناقصوا بعد ذلك نتيجة لاضطرار الكثيرين منهم إلى النزوح إلى خارج البلاد فرارا من عمليات القتل والسلب وإحراق المنازل ودور العبادة.. رغم ذلك فإن المحكمة الميانمارية رأت أن ما كتبه الكاتب «لين أو» يمثل جريمة ازدراء الأديان المنصوص عليها فى القانون البورمى، ومن ثم فقد أصدرت حكمها سالف الذكر، باعتبار «لين أو» مزدريا للديانة البوذية!!..

والواقع أن حكم تلك المحكمة البورمية هو تجسيد واضح لتنامى المد الأصولى الذى بدأ فى الصعود فى العقود الأخيرة فى بورما على يد عدد من العناصر والدعاة الأصوليين، على رأسهم الراهب البوذى «أشين ويراشو»، الذى ما فتئت أفكاره العنصرية المتعصبة تلقى قبولا واسعا من قطاعات شتى من القواعد الشعبية البورمية، وما تشهده ميانمار فى هذا المضمار هو صورة متكرره لما يشهده عدد غير قليل من دول العالم الثالث، التى يناضل مثقفوها ومبدعوها من أجل تحقيق الديمقراطية وكفالة حرية الفكر والرأى والعقيدة، وما زالوا يحاولون (عبثا فى كثير من الحالات) أن يتصدوا لهذه التيارات الأصولية التى استطاعت أن تخترق مواقع كثيرة فى المجتمع، بما فى ذلك مؤسساته وسلطاته الرسمية، ومن بينها - للأسف - السلطة القضائية فى المجتمع الميانمارى.. الغريب أن الفترة التى أمكن فيها محاصرة تلك التيارات وإرغامها على الانكماش والتراجع كانت هى فترة الحكم العسكرى الاستبدادى لبورما، الذى امتد أكثر من أربعة عقود، ومع سقوط الحكم العسكرى عام 2011 عادت تلك التيارات إلى التنامى من جديد!

وهكذا تبدو الصورة شديدة البؤس والقتامة فى ميانمار مثلما هى كذلك فى مجتمعات أخرى شبيهة!!، وكأنما كتب على مثل تلك المجتمعات أن تخرج من قبضة الفاشية العسكرية لكى تسقط فى قبضة الفاشية الدينية!!، ثم لا يلوح حينئذ أى أمل للحالمين بالانعتاق من قبضة الأصولية الدينية الباطشة سوى أن تزيحها عن الرقاب يدٌ أكثر بطشا!!.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث