الخميس 16 شوال 1445 هـ | 25/04/2024 م - 08:37 صباحاً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية؟
الإثنين | 01/02/2016 - 08:23 صباحاً

المحامي إبراهيم أسامة العرب - اللواء
01 - 02 - 2016

ملايين من المسلمين يُسحقون من قبل دولة مينمار (بورما)، فالروهنجيا المسلمة في بورما هم واحدة من أكثر الأقليات المضطهدة في العالم، حيث يتعرض نساء وأطفال هؤلاء لأبشع أنواع جرائم الإبادة والتعذيب والتطهير العرقي التي لم تشهد البشرية مثيلاً لها من قبل، فتُشن ضدهم حرب إبادة عنيفة من قبل جماعة «الماغ» البوذية المتطرفة أذاقوا بموجبها الروهنجيين الويلات ، فأبادوا أبناءهم واغتصبوا نساءهم وهجروهم قسراً من أراضيهم وديارهم وسط غيابٍ تام للإعلام.

وتقع دولة مينمار في الجنوب الشرقي لقارة آسيا، ويحدُّها من الشمال الصين والهند، ومن الجنوب خليج البنغال والهند وبنغلاديش، ويبلغ عدد سكانها أربعة وخمسون مليون نسمة وفقاً لإحصاء عام 2011، ونسبة المسلمين تبلغ 20% بحدود 10 ملايين نسمة. مع الأخذ بعين الاعتبار أن منطقة «أراكان» في مينمار هي التي تتواجد فيها مجموعة الروهينجا المسلمة والتي يصل عددها إلى 4 ملايين مسلم، حيث يمثلون 70% من سكان الإقليم، في حين أن إحصاءات الدولة المينمارية تشوه الحقائق ولا تعترف بوجود سوى ثمانمئة ألف من هؤلاء فقط.
بداية القصة

ولا تبدأ قصة أقلية الروهنجيا المسلمة في بورما مع بداية شرارة مذبحة عام 2012 فقط، وإنما تعود إلى سنوات بعيدة وتحديداً إلى العام 1982م عندما صدر قانون عنصري بامتياز قضى بتجريد هؤلاء من جنسياتهم ومعاملتهم معاملة عديمي الجنسية، ومن ثم لاحقاً زعمت السلطات الرسمية بأن هؤلاء لاجئون غير شرعيين وبدأت تتواطأ مع البوذيين المتطرفين لشن حملات عنف وحشية ضدهم، تتضمن إحراق النساء والأطفال والتنكيل بهم دون أدنى رحمة، في مشاهد تتقطّع منها الأفئدة وتتقرّح الأكباد.

ومما يدل أيضاً على أن المسألة هي مسألة تطهير عرقي وإبادة جماعية للروهنجيين المسلمين، جرائم القتل بأساليب الحرق الحاصلة بأبشع الصور والتهجير والطرد الجماعي والترحيل القسري إلى خارج أراكان وبورما، وطمس الهوية الإسلامية وهدم كل الآثار والتراث الإسلامي للمنطقة، وحرمان أبناء المسلمين الروهينجا من مواصلة التعليم في الكليات والمدارس العليا والجامعات، والعمل القسري في بناء الثكنات والمنشآت العسكرية والحكومية بدون مقابل، والحرمان من الوظائف الحكومية مهما كانت المؤهلات العلمية، والمنع من السفر إلى الخارج مهما كانت المبررات ولو لأداء فريضة الحج.

ولذلك صرحت الأمم المتحدة «في العام الماضي مات غرقًا الآلاف من الروهينجيين الذين فرّوا من بنغلاديش وبورما بحراً»، وبالتالي فما بين بطش المتطرفين البوذيين وتعنت السلطات البنجلاديشية والتايلندية، تبقى تلك الجماعة من المسلمين ضائعة لا ناصر لهم ولا معين في ظل صمت دولي مريب. وحتى هذه اللحظة ومنذ أكثر من ستة أشهر ما زالت الحرب البوذية والإبادة الجماعية ضد المسلمين في بورما مستمرة؛ حيث أمرت حكومة بورما البوذية بإغلاق جميع المساجد والمدارس الإسلامية وجميع دور التعليم والكتاتيب بأراكان المحتلة، كما منعت رفع الأذان وإقامة صلاة الجمعة والجماعة ولو في المنازل أو المخيمات.

وقد اعتمد مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يوم الجمعة 3 أيلول 2015 في جلسته الــ28 قراراً طالب بموجبه حكومة ميامار بحماية حقوق الإنسان لجميع الأشخاص على أراضيها بمن فيهم المسلمين الروهينجا، واتخاذ التدابير اللازمة للتصدي للتمييز ضد المسلمين وأبناء الأقليات القومية والعرقية والدينية واللغوية في جميع أنحاء البلاد، ووضع حد للتحريض على الكراهية ضد المسلمين وإدانة هذا التحريض بشكل علني. كما دعا القرار، حكومة مينمار» لمنع التمييز والاستغلال بما في ذلك الاتجار في المسلمين الروهينجا،ومعالجة الأسباب الجذرية لهذا التمييز».وطالبها» بحماية أماكن العبادة التابعة لجميع الديانات، وضمان عودة اللاجئين والمشردين إلى منازلهم، بما في ذلك الروهينجا المسلمين بالتعاون مع المجتمع الدولي».وطالب القرار أيضا حكومة مينمار» بمنح حقوق المواطنة الكاملة للمسلمين الروهينجا في ولاية راخين ومراجعة قانون الجنسية لعام 1982 ،والسماح بوصول المساعدات الإنسانية كاملة إلى الأشخاص والمجتمعات المتضررة. وتنفيذ اتفاقيات التعاون التي أبرمتها  مع المجتمع الدولي ولم تنفذ حتى الآن».

إبادة شاملة
ومن المؤسف ونحن في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين أن نرى أعمال الإبادة في حق مسلمي بورما بجميع صورها من قتل وإحراق وتعذيب وتشريد وتصفية عرقية وترحيل قسري على أيدي البوذيين والسلطة البورمانية، وبالمقابل لا نلمس رد فعل إيجابي من طرف أفراد المجتمع الدّولي، فكل هذه الانتهاكات تواجه بصمت غريب، سواء ما تعلّق برُدود أفعال الدول التي تدّعي أنّها تَنظر للديمقراطية ولحقوق الإنسان وتعمل على تصديرها، أو تلك المنظمات الدولية التي أصمّت آذاننا من جرّاء صراخها الفارغ هنا وهناك، وحتى الإعلام العالمي أضحى وكأنه لا يرى ما يحدث من جرائم تقشعرّ لها الأبدان وتذهل منها العقول للطائفة المسلمة في بورما، ولم نجد لها ذكرا ولو في الأخبار الخاطفة.

ويتساءل المرء في أسى بالغ أين هم المسلمون اليوم من هذا الظلم والقهر الذي ينال إخوانهم، وما الذي سوف يفعلونه مستقبلاً لحمايتهم؟ فالمأساة الإنسانية التي يعيشها مسلمو الروهينجا وما يتعرضون له من أعمال قتل واغتصاب وإخلاء قسري للسكان وحملات تطهير عرقي وعدم الاعتراف بهم كمواطنين وتقييد حرياتهم في التنقل ومنعهم من أبسط حقوق الإنسان بما فيها الغذاء والرعاية الصحية،تتطلب تحركًا عاجلاً من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ومجلس الأمن الدولي، لإلزام حكومة مينمار وجماعة الماغ بوقف كل ممارسات الاضطهاد والتهجير وسرعة الاعتراف بالأقلية المسلمة، الروهينجا، وبدون أي تمييز أو تصنيف عرقي، ولملاحقة المسؤولين كافة أمام المحكمة الجنائية الدولية بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية.

بإمكان الدول العربية والدول الاسلامية التي صادقت على النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية تقوم بالتقدم بشكوى الى المدعي عام المحكمة الجنائية الدولية عملاً بالفقرة ألف من المادة 13 والفقرة الأولى من المادة 14 من نظام روما ليقوم بتحريك الدعوى ضد حكومة بورما بسبب ارتكابها الجرائم المنصوص عليها بالمواد  5 و6 و7 من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لأنه بموجب المادة  6 من نظام روما تعني الإبادة الجماعية أي فعل من الأفعال التي ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكا كليا أو جزئيا عن طريق:
أ) قتل أفراد الجماعة.
ب) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
ج) إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا.
د) فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة.
هـ) نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى. كما أن أفعال القتل المقصود والإبادة والإضطهادات المبنية على أساسات سياسية اوجنسية او دينية التي ترتكبها الحكومة في بورما تعتبر أيضاً جرائم ضد الإنسانية بحسب الفقرتين الأولى والثانية من المادة 7 من نظام روما. من ناحية أخرى فبالإمكان تفعيل الضغوطات السياسية على حكومة بورما كقطع العلاقات السياسية معها، وسحب جميع سفراء الدول العربية والاسلامية منها، والعمل على فرض العقوبات اقتصادية عليها.

وأخيراً، وبعد استمرار المجازر الجماعية في بورما ما يجاوز الأربعة أعوام، لم يعد مقبولاً التغاضي أبداً عن المذابح الممنهجة التي تحصل في بورما، ولذلك فإننا ندعو كافة مسؤولي الدول العربية والاسلامية للمسارعة لإغاثة هذه الفئة المستضعفة من المسلمين من خلال إحالة الملف فوراً الى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، والمباشرة بممارسة الضغوط السياسية الفعّالة التي تحقق تنفيذ قرار مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المذكور آنفاً والصادر بتاريخ ٣ أيلول ٢٠١٥ في جنيف.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث