السبت 11 شوال 1445 هـ | 20/04/2024 م - 04:51 مساءً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


أخيراً تخلصوا من الحكم العسكري … في بورما!
الخميس | 19/11/2015 - 10:01 صباحاً

كتبت: سارة الضويني - صحيفة يناير
16 نوفمبر 2015

عاش الشعب البورمي في ظل الحكم العسكري التعسفي والذي سيطر علي البلاد منذ 46 عاماً.
ووصل العسكري ورئيس الوزراء السابق ثين سين إلى مقعد الرئاسة في ميانمار (بورما) في عام 2011، بعد انتخابات اكتسحها حزبه بأغلبية تجاوزت 90% من الأصوات.
واقترنت الأشهر الأولى من رئاسته بوعود للإصلاح الديمقراطي، ودعم من الولايات المتحدة الأمريكية والهيئات الدولية التي رأت في الجنرال السابق أملًا في الإصلاح ضد «الحرس القديم» في الجيش.
قام بعمل عدة إجراءات لتخفيف القيود على المعارضة، بإطلاق حرية الإعلام نسبيًا، والسماح لأكبر حزب معارض باستئناف نشاطه، وإطلاق سراح بعض المسجونين السياسيين، وإعادة حق الإضراب عن العمل في القانون.
سيطر على السلطة «مجلس الدولة للسلام والتنمية»، الذي يُعد باختصار الهيئة العسكرية الحاكمة، منذ عام 1988، لكن الرئيس ثين سين حل المجلس عند توليه الرئاسة. يبدو هذا تغييرًا هائلًا، لكن علاقات القوة بين أطراف السلطة في ميانمار لم تتغير كثيرًا.

تتعرض الحكومة في بورما منذ عقود إلى محاولات للانفصال والتمرد المسلح، لكن الرد يكون قاسيًا من الجيش بتدمير قرى كاملة، والدخول في حرب عرقية في عدة مقاطعات.
سجل الجيش في ميانمار لم يتوقف عن إدخال حالات انتهاكات حقوق الإنسان، واعتقال المعارضين والصحفيين وقتلهم، وتزوير الانتخابات البرلمانية والمحلية لمصلحة «حزب اتحاد التضامن والتنمية» الذي خرج من رحم قيادة الجيش ليحكم من خلاله، في ظل دستور 2008 الذي كتبته لجنة مُعينة من الجيش، واستُفتي عليه في انتخابات وُصفت محليًا ودوليًا بالمزورة.

يحتفظ الجيش بـ25% من المقاعد في البرلمان، بحسب الدستور الذي تقول أولى فصوله إن «هيئات الدفاع تشارك في دور القيادة الوطنية السياسية للبلاد»؛ ويتكون مجلس الدفاع والأمن القومي في ميانمار من 11 عضوًا: 5 عسكريين حاليين، و5 عسكريين سابقين، ومدني واحد. يعمل هذا المجلس فوق الحكومة المدنية، ويمكنه إلغاء وتعديل قراراتها، وفرض شروطه عليها.
وتمتد سيطرة الجيش كذلك على وسائل الإعلام، والصحفيين المستقلين، والمعارضين الذين يقعون دائمًا تحت تهديد الشرطة العسكرية.

ولم ينفصل النشاط الاقتصادي في ميانمار عن سيطرة المؤسسة العسكرية؛ فأكبر شركتين قابضتين في البلاد مملوكتان للجيش بشكل مباشر، بالإضافة إلى ملكية الجيش والعسكريين السابقين والحاليين للشركة المسؤولة عن استيراد السلاح.

بورما تتخلص من الحكم العسكري القمعي
صوت الناخبون في ميانمار في أول انتخابات تعددية، منذ 25 عاماً، بعد نصف قرن من الحكم العسكري، وحرم فيها المسلمون الروهيجيا من حق التصويت.
وتحدثت المعارضة والمراقبون عن الفوضى التي شهدها التصويت المبكر في الخارج، ومنع دخول مراقبين أجانب إلى الثكنات العسكرية لمراقبة تصويت مئات آلاف الجنود، وحرمان مئات الآلاف من مسلمي الروهينغا من حق الانتخاب، وإلغاء التصويت في مناطق تشهد نزاعات إثنية. وتحدث المسلمون بقلق عن مرحلة ما بعد الانتخابات على إثر حملة استخدم فيها الدين لأغراض سياسية، وتخللتها خطب معادية للمسلمين.

وفي بورما التي يشكل البوذيون غالبية سكانها، شهدت هذا الاقتراع الحر الأول منذ 25 عاماً، وتنافس في هذه الانتخابات حزب الاتحاد والتضامن والتنمية الحاكم المدعوم من الجيش، وحزب الرابطة الوطنية للديمقراطية، بزعامة أنغ سان سو كي، الذي أحرز تقدماً، على الرغم من أن زعيمته ممنوعة من الترشح للرئاسة.

وشارك البورميون بأعداد كبيرة وفي هدوء في الانتخابات، وفاز حزب زعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي حظا للفوز بها، بعد سنوات من الانشقاق، إلا أن المراقبين يأخذون عليها عدم مهاجمتها بحزم خط ويراثو، وامتناعها عن الدفاع عن الروهينغا. ولم يقدم حزبها أي مرشح مسلم.

وقبل فوزها قالت أونغ سان سو تشي التي يلقبها عدد كبير من البورميين “الأم سو” في رسالة تليت أمام الجماهير التي احتشدت لدى حلول الليل أمام مقر حزبها، “انتظروا النتائج في منازلكم. وعندما ستصدر النتائج، أريد منكم أن تتقبلوها بهدوء”.
وتضاعف التوتر في البلاد نتيجة الحماس والقلق وسط ترجيح فوز حزب “الرابطة الوطنية للديموقراطية”، واحتمال وصوله أخيراً إلى السلطة بعد قمعه طوال عقود. وكرر قائد الجيش مين هونغ هلينغ الذي صوت في العاصمة الإدارية تأكيده سيادة الشعب. وقال: “لا سبب على الإطلاق يستدعي رفضنا” نتيحة الاستحقاق.

وفي آخر انتخابات اعتبرت حرة في 1990 تفاجأت السلطة العسكرية بفوز الرابطة الوطنية للديمقراطية، لكن النتائج لم يعترف بها، ولم تتمكن حينها زعيمة المعارضة الخاضعة حينذاك للإقامة الجبرية من التصويت.
وفيما أعلن الجيش والرئيس المنتهية ولايته المنبثق من صفوفه أنهما سيحترمان نتائج الانتخابات، واصل التلفزيون الرسمي بشكل متواصل بث إعلانات قصيرة تحذر من أي محاولة ثورة على غرار “الربيع العربي”.
وبعد فوز الحزب المعارض أخيراً في الانتخابات التشريعية سيتم انتخاب رئيس بواسطة البرلمان بعد أشهر، غير أن سو تشي يحظر عليها تولي الرئاسة بموجب الدستور الموروث عن السلطة العسكرية. رغم الفوز الساحق إلا أن بورما أمامها الكثير للتخلص من بقايا تحكم العسكر في السلطة وأولها عمل دستور جديد وكفالة حق المواطنة.

رغم التخلص من حكم العسكر… الانتخابات لم تكن ديمقراطية!
إن هذه الانتخابات، التي تعد خطوة هامة في تاريخ بلد ظل لعقود تحت حكم العسكر، لم تكن ديمقراطية بأتم معنى الكلمة، حيث أن المسلمين الروهينغا حرموا من حقهم في التصويت، وسط تجاهل محلي ودولي لقضيتهم.
ولم تتخذ أونغ سان سو كيي أي موقف مدافع عن هؤلاء المضطهدين والمحرومين من حق المواطنة. ويعيش حالياً 300 ألف مسلم من الروهينغا في إقليم أراكان غرب بورما، وسط غالبية بوذية تقدّر 51 مليون نسمة، يمثلون 90 في المئة من الشعب البورمي.
وقد وضعت الحكومة الدكتاتورية العسكرية قانوناً في سنة 1982، ينص على سحب الجنسية من الروهينغا، كما أنها لم تعترف بهم من ضمن الـ135 مجموعة عرقية بورمية، مدعية أنها لا تعترف إلا بالعرق البورمي الذي كان موجوداً قبل الاحتلال البريطاني سنة 1823.
وتحت ضغط الدول الغربية والأمم المتحدة؛ قبلت الحكومة سنة 2014، وعلى مضض، بوضع مخطط عمل يقوم على منح الروهينغا الحق بالحصول على وثائق تثبت مواطنيتهم، لكن الإدارة البورمية تتعمد نسبتهم لبنغلادش، لتتملص من تعهداتها بعد ذلك وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين.
وقامت الحكومة البورمية مؤخراً بإلغاء بطاقات الهوية المؤقتة التي أعطيت للأقلية المسلمة هناك، لتحرمهم عمداً من حقهم في التصويت في الانتخابات التشريعية، التي أقيمت في الثامن مننوفمبر الحالي.
وقد نشرت اللجنة الأوروبية تقريراً وثّقت فيه معاناة مسلمي الروهينغا، قالت فيه إن السلطات تحرمهم من أبسط الحقوق البشرية مثل الغذاء والتعليم والصحة، وقالت أيضاً إن منطقة أراكانتشهد توتراً حاداً بين البوذيين والأقلية المسلمة هناك، حيث يسيطر البوذيون بالقوة والإرهاب على مقدرات وموارد المسلمين.

وقال التقرير إن الحكومة البوذية تنتهك حقوق الإنسان وتقوم بجرائم ضد الروهينغا، حيث تفرض عليهم قيوداً عدة، منها أنهم يمنعون من السفر بدون تصريح من السلطات، كما لا يسمح لهم بالعمل خارج قراهم، ويمنعون أيضا من الزواج بدون إذن مسبق من السلطات، في الوقت الذي يدرس فيه البرلمان البورمي إمكانية إصدار قانون جديد؛ يفرض على الأزواج ممارسة طقوس وعبادات غريبة عن دينهم الإسلامي، حتى يحصلوا على ترخيص بالزواج.
إن الإرهاب والعنف الذي تمارسه السلطات البورمية، بدعم من رجال الدين البوذيين وأتباعهم، ضد مسلمي الروهينغا، أدى إلى اندلاع أعمال عنف أودت بحياة أكثر من 200 مسلم، وهروب أكثر من 140 ألفاً من منازلهم، لينتقلوا للعيش في مخيمات في أوضاع مزرية.

وشاركت السلطات البورمية في تدمير مساجد المسلمين، وفي أعمال عنف واعتقالات طالت مسلمي الإقليم، ولم تقف السلطات عند هذا الحد بل منعت وصول المساعدات الإنسانية للفارين من جحيم الأزمة.
كما تمارس الإبادة الجماعية ضد الروهينغا، لتضعهم أما خيارين، إما الموت أو الهروب من قمع الآلة العسكرية البورمية، حيث سجّل فرار العديد منهم منذ 1978 ليعيشوا في مخيمات أقيمت لهم في بنجلادش.
وفي ظل ما يعيشه الروهينغا اليوم، أقيمت انتخابات تشريعية، اعتبرت الأمم المتحدة أنها زادت من تهميش الأقليات الدينية في بورما، حيث حرمتهم السلطات من حقهم في التصويت، ومنعتهم حتى من أن ينخرطوا في جمعيات أو أحزاب سياسية، أو حتى أن ينضموا إلى أحزاب قائمة، كما منعت ممثليهم من الترشح لمقاعد برلمانية.

إن أونغ سان سو كيي، زعيمة الحزب الحاصل على الأغلبية البرلمانية، اختارت عدم التطرق إلى مسلمي الروهينغا، خوفاً من أن تخسر أصوات ناخبيها البوذيين الذي يمثلون أغلبية الناخبين، في الوقت الذي صرّح فيه حزبها بأنه سينظر في وضعية الروهينغا منزوعي الجنسية.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث