الأربعاء 15 شوال 1445 هـ | 24/04/2024 م - 08:31 صباحاً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


فرص تحسن أوضاع الأقلية الروهنجية في ظل حكومة يقودها حزب "سوشي" بين الحقيقة والوهم
الأربعاء | 11/11/2015 - 08:29 صباحاً

عزيز عبد المجيد - خاص لوكالة أنباء الروهنجيا
10 نوفمبر 2015

بعد ترقب دام أكثر من خمس سنوات ، يبدو أن الإنتخابات البرلمانية التي وعد بإجرائها العسكر في بورما عقب فترة إنتقالية مدتها أربع سنوات ، قد جرت بهدوء في الثامن من نوفمبر الجاري.
وقد حظيت هذه الإنتخابات بإهتمام دولي منقطع النظير ، وبخاصة من قبل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، ثقة بالوعود التي قطعها النظام الحاكم على نفسه لإحلال الديموقراطية في بورما من خلال صناديق الإقتراع بإجراء إنتخابات شفافة ونزيهة.

وبإنفتاح غير معهود لقد سمح عسكر بورما هذه المرة لمئات من المراقبين والصحفيين الأجانب بالتوافد إلى بورما بهدف تغطية الحدث الإنتخابي ومراقبته عن كثب من قبلهم وبل سمح لبعض هؤلاء بالدخول إلى بعض ثكناتهم لمراقبة سير الإنتخابات بداخلها . وفي نفس الوقت لقد إتخذ هذا النظام إجراءً تعسفياً يمثل سابقة في تاريخ بورما الحديثة ، ألا وهو حرمان الأقلية الروهنجية المسلمة البالغ تعدادها زهاء مليون ونصف نسمة ، من المشاركة في هذه الإنتخابات ترشيحاً وإنتخاباً .
وقد شارك في الإنتخابات أكثر من (٦) ألاف مترشح ينتمون إلى (٩٠) حزب ومستقلين ، للمنافسة على( ٤٩٨) مقعداً ، وهي المقاعد المتاحة لهم بعد حصة جنرالات الجيش وعددها (١٦٦) مقعداً من أصل إجمالي ( ٦٦٤) مقعداً ، يتكون بها البرلمان الإتحادي البورمي.

والحزبان الرئيسيان هما : حزب الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية بزعامة أونغ سان سوشي ، وحزب إتحاد التضامن والتنمية برئاسة تين سين ( الحزب الحاكم ).

ولم تتضح بعد الصورة الحقيقة للمشهد الإنتخابي لأن مهمة عد الأصوات وإعلان النتائج تشكل أمراً بالغ الصعوبة في بلد مثل بورما المترامية الأطراف ، غير أن المعارضة بزعامة سوشي تبدو أنها أكثر تفاؤلاً بنتائج الإنتخابات لصالحها ، وإحتلفت مبكراً لتقدمها في هذه الإنتخابات إستناداً إلى بعض المؤشرات ، كما أن بعض رموز الحزب الحاكم خرج بتصريحات توحي بتلقي الهزيمة على الأقل في هذه المرحلة.

وبإجراء تحليل بسيط لما أحيط بالمشهد الإنتخابي من ترتيبات مسبقة ، نجد أن حزب المعارضة بزعامة سوشي لن يستطيع تحقيق الأغلبية الساحقة كما يتوقعها البعض لعوامل عدة أهمها:
أولاً : لم يصرح حتى الآن أحد من المراقبين الأجانب بأن هذه الإنتخابات لم تشوبها مخالفات أي أنها خالية من التزوير . وبإفتراض أنها جرت في ظل أجواء سلسة وشفافة ونزيهة وتحت نظر المراقبين ، وسوف يكون ذلك عملياً فقط في المدن الرئيسية مثل رانجون وماندلي . ولكن بحكم أن أغلب ولايات وأقاليم بورما هي مناطق معزولة وتفتقر إلى بنية تحية من طرق ومواصلات مما يصعب ـ إن لم يكن مستحيلاً ـ التواصل معها لو جستياً من قبل المراقبين الأجانب أو أعضاء حزب المعارضة للتأكد من سلامة الإجراء الإنتخابي ، وهنا تبقى خشية لجوء العسكر إلى التزوير لتغير النتائج لصالح الحزب الحاكم قائمة بدرجة كبيرة .

ثانياً : أن الحزب الحاكم خلال الفترة الإنتقالية صنع لنفسه قاعدة شعبية كبيرة بوعود كاذبة لإستمالة القوميين البوذيين ، وبخاصة بالتودد إلى الأوساط الدينية البوذية المتطرفة من أمثال الراهب البوذي المثير للكراهية ( ويراثو ) وعصابته المعروفة بإسم ( 969) ، مما يمكنه من الفوز بنسب معتبرة.

ثالثاً : أن هناك تسعين حزباً شاركت في هذه الإنتخابات وكثير من تلك الأحزاب صنعها الحزب الحاكم ، وقد يفوز بعض منها هنا هناك بعدد من مقاعد البرلمان ، التي سوف تبقى ضمانة له في أية معادلة برلمانية قادمة .
رابعاً : أن الجيش فرض لنفسه وفقاً للدستور المعد من قبله ( ١٦٦) مقعداً لجنرالاته دون إنتخاب ، وهذه المقاعد سوف تجيير لصالح الحزب الحاكم في أية تشكلية قادمة ، مما يعني في المحصلة حصول حزب إتحاد التضامن والتنمية ما نسبته من ٥٠ إلى ٦٠ في المائة من مقاعد البرلمان بسهوله.

وبإفتراض أن المعارضة حققت نصراً بحصولها على الأغلبية النسبية المطلقة ،ولكن السوال الكبير كيف يمكنها من تولى الحكم من دون التحالف مع العسكر؟
يبدو أن الأمر بعيد المنال لأن كتلة الجيش سوف تكون كبيرة داخل البرلمان تحت أي ظرف ، مما لا يمكنها من تجاهل هذه الكتلة ، كما أن أونغ سان سوشي نفسها غير مؤهلة لتولى رئاسة البلاد بموجب المادة ٥٩/ ف من الدستور الحالي ، وهذا يعني إيجاد بديل عنها ، فأقرب شخص يمكنه تولي هذا الدور من جانب المعارضة في الوقت الراهن هو السيد( تين أو) البالغ من العمر ٨٨ عاماً ، وهو الشخص غير جدير صحياً على الأقل لتولي منصب الرئاسة بالنظر إلى ضخامة المسؤولية الملقاة على عاتق الرئيس القادم في الفترة المقبلة.

بالإضافة إلى ذلك أن حزب المعارضة بزعامة سوشي تعاني من ترهل هيكله التنظيمي ولا يوجد بداخله توزيع الأدوار والسلطات بين أعضائه من المسؤولين الكبار الذين في معظمهم من المسنين.
ولكن من المفارقة أن السيدة أونغ سان سوشي صرحت قبيل الإنتخابات بأنها سوف تكون أعلى من الرئيس في حالة فوز حزبها في الإنتخابات، غير أنها لم توضح كيف يتم ذلك عملياً.

على كل يبدو أن هناك سيناريو معد سلفاً من خلال تفاهمات جرت بينها وبين الجيش وبموجب هذه التفاهمات يعتقد ، أن الحزب الحاكم والمعارضة سوف يلجأن إلى تقاسم السلطة والأداوار بينهما ، فأحد السيناريوهات المطروهة هو أن يتم تنصيب أحد أعضاء الرابطة الوطنية المغمورين رئيساً للبلاد على أن تقوم السيدة سوشي بالإشراف على المهام الرئاسية بصلاحيات محدودة ، في حين يدفع الجيش قائده الجنرال مين أونغ لاينغ إلى الواجهة ليتولي رئاسة البرلمان ، وذلك للحد من نفوذ أعضاء البرلمان المنتمين للرابطة الوطنية داخل البرلمان . وقد ظهرت بوادر هكذا التوجه من قبل الجيش خلال الدعاية الإنتخابية حيث رافق قائد الجيش الرئيس تين سين في معظم حملاته الإنتخابية إلى الأقاليم والولايات وذلك بالرغم من أن الجيش يصنف نظرياً أنه محايد.

ويعقب ذلك تشكيل حكومة إئتلافية بقيادة حزب الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية وبمشاركة الجيش ( ممثلة في الحزب الحاكم ) وأحزاب الأقليات الأخرى ، على أن تكون هذه الحكومة ذات الطابع الخدماتي ، لتبقى الأمور السيادية المصيرية متوزعة بين الجيش وعناصره النافذة داخل البرلمان ، مما تصبح مهمة تمرير القرارات والمشاريع والقوانين بالغة الصعوبة لتبقى حكومة عرجاء تميل حيث مالت مصالح أعضاءها المشاركين .
وعلى ضوء ما تطرقنا أنفاً ماذا تنتظر الأقلية الروهنجية المسلمة من حكومة قد يقودها حزب الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية في المرحلة المقبلة ؟ وهل هي سوف تكون معنية بتحسين أحوال هذه الاقلية برد الإعتبار إليها من خلال منح حقوقها المدنية والدينية والسياسية؟

كلا، أن حزب الرابطة الوطنية لا يختلف كثيراً في نظرتها إلى الروهنجيا من نظرة عموم القوميين البورمان ، إذ أن كثيراً من أعضاء هذا الحزب من القوميين البورمان المتعصبين وهو حزب يميني التوجه في الأساس ، وله إرتباطات وثيقة بمجاميع الرهبان البوذيين المتطرفين وبل أن هناك تحالفات تمت بين هذا الحزب و بين تلك المجاميع لرعاية مصالحها في المرحلة المقبلة.

كما أن زعيمة الحزب أونغ سان سوشي نفسها لم تتطرق يوماً إلى قضية أبناء الروهنجيا ومعاناتهم طوال تاريخها السياسي ولو من باب التعاطف الإنساني ، مما يدل تأصل الكراهية والبغض والنبذ تجاه الروهنجيا في الأيدلوجية السياسية لجميع الأحزاب البورمية بإختلاف توجهاتها. وقد فسر البعض أن سكوت أونغ سان سوشي عن الخوض في القضية الروهنجية في السابق كان خشية منها لخسارتها لقاعدتها الشعبية ، وهو وهم لاتدعمه أية شواهد ملموسة.

ولكن العامل الأبرز الذي سوف يشكل حجر عثرة في تحسين وضع الأقلية الروهنجية في المرحلة المقبلة هو دخول حزب الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية في تحالفات مع الأحزاب القومية من العرقيات الأخرى في الولايات من أجل تسويات سياسية لتشكيل الحكومة ، و منها بطبيعية الحال حزب القوميين من عرقية الـ ( ماغ ) في ولاية أراكان ، الذي سوف يقف بالمرصاد ضد أي توجه يحسن من أوضاع الروهنيجا في البلاد ، لأن القوميين ألــ ( ماغ ) من ألد أعداء الروهنجيا ، ولن يسمحوا تحت اي ظرف برد الإعتبار إليهم مجدداً ، وخاصة بعد نجاحهم من إقصاء الروهنجيا من مقاعد البرلمان لأول مرة . وبقي العامل الخارجي ممثلة في ضعوطات المجتمع الدولي وبخاصة من طرف الدول الغربية الكبرى على الحكومة المنتخبة وهو العامل لا يعول عليه كثيراً ، وذلك عطفاً على سلوك هذه الدول في التعاطي مع الحكومة البورمية في الفترة الماضية.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث