الخميس 16 شوال 1445 هـ | 25/04/2024 م - 03:20 صباحاً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


بورما وتشارلي إبدو وعلي جمعة!
الأحد | 18/01/2015 - 08:11 صباحاً

كريم الدجوي - الموجز
الخميس ١٥ يناير ٢٠١٥

بعد كل حادثة كبيرة مثل حادثة “تشارلي إبدو”، نقوم بعدة خطوات محفوظة، نشجب وندين الحدث الذي نرى إنه لا يعبر عن الدين، ضاربين الأمثلة من شتى البلدان التي يقتل فيها المسلمين دون ذنب بداية من بورما ونهاية بمآساة غزة التي لا تنتهي، ثم تنهي علاقتنا معظمنا بالقصة. ثم تمر شهور أخرى وتحدث حادثة أخرى، لنخرج الجملة المحفوظة “لا يمثل الإسلام في شىء” من الدولاب كما تخرج الأم الشتوي في بداية موسم الخريف، تلي الجملة سيل من الصور والفيديوهات المدافعة عن سماحة الإسلام ننشرها على صفحاتنا التي لا يراها سوى أصدقائنا قبل أن ندير وجهنا عن القصة، بعد أن شعرنا بان رسالتنا للعالم قد وصلت مع إنها لم تتجاوزنا نحن شخصيا.

لم أكتب هذا الكلام لأوجه لك اللوم على الحوادث الإرهابية، ولا على فشلنا في نبرئ ديننا من تلك الاتهامات التي أوشكت أن تلتصق به في عقول باقي الشعوب. لم أكتب لألومك على أي شىء، بل لأحاول أن نقف سويا على حقيقة الوضع الحالي. فبالرغم من إن المسلمين هم الضحايا الأكبر لعمليات الإرهاب وليس الغرب كما يظن كثيرون، وبالرغم من إن معظم المسلمين مسالمين رافضين لسفك الدماء، وفئة كبيرة منهم بالفعل تؤمن بأن تلك الأفعال لا تمثل الدين في شىء، إلا أن صورة الإسلام عند الكثير من الشعوب تلتصق أكثر بالإرهاب يوما بعد يوم.

عشرات الأخبار والفيديوهات لداعش تتصدر وسائل الإعلام الغربية والعالمية، عدة حوادث متتالية بباريس بسبب رسوم كاركتيرية، قبلها حادثة احتجاز رهائن بأستراليا، يتبعها أداء هزيل لممثلي المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة عند مناقشة الأحكام القاسية الصادرة على المدون السعودي رائف بدوي لإهانة الإسلام، تتزامن مع بعض الممارسات المؤلمة لبوكو حرام في نيجيريا. ضف على ذلك تاريخ القاعدة من عمليات إرهابية، ومآسي حكم طالبان، وموقف الحكومات ذات الطابع الإسلامي – كإيران والسودان وموريتانيا والسعودية – من قضايا المرأة، وحرية الاعتقاد، والعديد من القضايا الأخرى .. وبعد كل ذلك، نتعجب من اقتناع البعض من إن المسلمين لا يتسمون بالسماحة التي يدعوها!

بكل تأكد إننا نعاني من ضعف تمثيل في الخارج، من عدم وجود لوبي يؤثر في وسائل الإعلام ويحرك السياسات بالرغم من رؤوس الأموال الخليجية التي تمتلئ بها بنوك الغرب، كما نتعرض لعنصرية وعدم حيادية في تغطية قضاينا، خاضة إن كانت تمس اللكيان الصهيوني من قريب أو بعيد. لكننا على الناحية الأخرى لا نقوم بقوم بأي شىء في صالحنا، لا نخدم قضايانا سواء على مستوى الحكومات أو الشعوب. نجمع قصاقيص الشبهات ونصنع نظريات عن مؤامرات لا يصدقها سوانا، ولا تفعل شىء سوى أنها تريح ضمائرنا.. تساعدنا على النوم مرتاحي الضمير في وقت لا يصح فيه النوم. كم منا صدق قصة انتحار المحقق في قضية تشارلي إبدو ووجدها دليلا على براءة الإسلام، بل ونشرها ليؤكد وجهة نظره، دون أن يهتم بأن المحقق المنتحر كان يعمل على مسافة 500 كيلو من العاصمة باريس حيث وقعت الحوادث .. لا يهم، فمجرد الشبهة تكفي لإبراء ساحتنا.

بالتأكيد هناك مؤامرات، بالتأكيد تُخترق بعض التنظيمات التكفيرية الجهادية من قبل أجهزة المخابرات الغربية، لكن هذا لا يمنع أن نترك المساحة ليؤمن البعض بتلك الأفكار المسمومة ظنا إنها ديننا! هذا لا يمنع إن كثيرا من أبناء هذا الدين يفرحون بتلك الأفعال النكراء، أن كثيرا منهم يروا أن أمة مضطهدة – مثل أمتنا – من حقها أن تقتل أبرياء باسم عقيدتها دون حاجة للتوضيح. إن العمليات الإرهابية يرتكبها شباب من أمتنا، يضحوا بأرواحهم ظنا إنهم على الطريق السليم، إنهم ينصرون الدين وأن حور العين تنتظرهم على الناحية الأخرى.

إن الأعوام الأربعة الماضية كشفت لكثير منا كم الأفكار المتطرفة المنتشرة حولنا باسم الدين، ورغم ذلك مازلنا نلوم العالم على اضطهادنا دون أن نلاحظ أننا من نعطي أعدائنا فرصة إيذائنا على طبق من ذهب. إن بيننا من حصد أصوات المصريين وهو لا يحترم السلام الوطني لبلاده، إن بيننا من يكفر أبناء نفس الوطن، من يتمنى عودة الخلافة والسبايا حتى لو على جثة الوطن، من يرفض أن يهنئ جاره بالعيد. من يرى أن من لا يؤمن بنفس قناعته يجب أن نقاتله في الدنيا قبل أن نرسله إلى جحيم الأخرة، ومن يرفض أي محاولة لرجل دين لتوضيح أن ديننا ليس بهذا القسوة.

الشيخ علي جمعة على سبيل المثال، بالرغم من اختلافي مع مواقفه السياسية، لكني لا استطيع أن مناقشة علمه وإنجازته في دار الإفتاء. أنظر كيف يتعامل المجتمع مع فتاوى الشيخ علي جمعة التي تتسم بالمرونة، والتي أرى إنها تمثل يسر الإسلام وقدرته على التواصل مع هذا العصر.. يرفض فتواه من هم أقل منه علما، بل ومن لا يعرفون ابسط الحقائق حول دينهم، ليس لسبب سوى إن انطباعهم إن الإسلام غليظ القلب ولا يمكن أن يكون الدين بهذا اليسر. من لا يعرفون أن الدين رحمة ويسر وألفة.

إن كنا نرفض الوصاية الدينية، ونرفض أن يمثل الدين في مؤسسة واحدة، لكن المرحلة الحساسة التي نمر بها تجبرنا على أن نصطف خلف الأزهر في معركة إنصاف الإسلام التي لا غنى عنها. على علمئنا أن يكونوا أكثر حسما، أن يجتمعوا على نبذ التطرف والأحكام التي بنى عليها. أن يقوموا بمراجعات للكتب والمراجع التي يستند إليها هؤلاء المتطرفين، أن يوحدوا الإسلام الصحيح تحت قبة واحدة. أن يكون لدينا صوتا واحدا يمثله، حتى لا يحتاج مليار مسلم أن يثبتوا كل شهر أن تلك الأفعال لا تمثلهم.

إذا كنا فعلا نرى أن قطع رقاب الشيعة واليزيدين والدروز والأكراد والعلوين والصحفيين لا يمثل ديننا فلنقف اليوم لندافع عنه، إذا كنا نرى أن لا مكان في أسواقنا للسباية والغلمان فلنتوحد في وجه هؤلاء. أرى أن يعيبنا المشاركة في قوات التحالف ضد داعش، فالأولى أن تكون الجيوش العربية هي التي تخوض معاركنا بدلا ممن يقومون بها بالوكالة عنا، ثم يقسمون دولنا ونقطنا ويصفونا بأعداء السامية عندما نطالب بأرضنا المحتلة.

قد يكون ما أحلم به بعيدا.. مستحيلا، لكني أظن إنه أكثر عملية من نظرية المؤامرة التي تؤمن بها.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث