الأربعاء 15 شوال 1445 هـ | 24/04/2024 م - 02:23 مساءً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


مقالة: ميانمار الفقيرة والمقسّمة.. حكاية سياسية خرافية
الخميس | 17/07/2014 - 11:27 صباحاً

ديفيد بيلينج من رانجون - FINANCIAL TIMES
17 يوليو 2014

ميانمار، أو بورما سابقاً، قصة تنتظر فقط نهاية الحكاية الخيالية. الابنة الجميلة لبطل قومي اُغتيل، تتغلب على جنرالات الشر خلال سنوات السجن القاسية.

على مدى عقود، والجنرالات يدمرون البلاد مع تسويتها بالأرض، حيث حطموا الاقتصاد وحاربوا الأقليات العرقية في المناطق الحدودية البرية.

وأخيراً، بدأ الجنرالات بالتراجع. يطلقون سراح "السيدة" ويبدأون الانتقال الملحوظ إلى الديمقراطية. الإفراج عن سراح السجناء السياسيين. فك القيود عن الصحافة. رفع العقوبات الغربية. ويسود وقف إطلاق النار في جميع أنحاء الأرض.

كل ما تبقّى هو عودة الجيش بشكل نهائي إلى ثكناته والسماح لأونغ سان سو كيي، أميرة هذه القصة، لتولي منصبها الشرعي كزعيمة لبلد ديمقراطي وسلمي مزدهر. إنها نهاية قريبة بحيث إنك تكاد أن تلمسها.

مع ذلك لم توضع بعد، فبعد ثلاث سنوات من بدء الفترة الانتقالية، وأقل من 18 شهراً قبل الانتخابات التي من شأنها أن تجعل سو كيي رئيسة للدولة، من الواضح بالفعل أن النهاية لا يمكن أن تكون أبداً سعيدة جداً. هناك على الأقل ثلاث مشكلات مع هذه الحبكة الخيالية.

أولاً: يبدو من غير المحتمل أن تصبح سو كيي رئيسة للبلاد - على الأقل ليس تماماً بعد كانون الأول (ديسمبر) المقبل، عندما تُجرى الانتخابات المقررة. في الشهر الماضي، صوّتت لجنة برلمانية ضد تغيير الدستور، الذي يمنع أي شخص من الرئاسة، إذا كان أطفاله أو زوجه من الرعايا الأجانب. نجلا سو كي يعتبران مواطنين بريطانيين.

على افتراض أن النظام الانتخابي الحالي سيظل على حاله، فإن الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية التابعة لسو كي، بحاجة إلى فوز شاذ بثلثي المقاعد لمجرد الحصول على أغلبية ضئيلة في البرلمان. وذلك لأن الجيش يحتفظ بما نسبته 25 في المائة من المقاعد كحق له، وهو أمر من غير المرجح أن يتخلى عنه.

وإذا فازت رابطة سو كيي بالأغلبية، فإنها ستكون قادرة على اختيار الرئيس - طالما أنها لن تختار نفسها. يمكنها أن تفعل مثل سونيا غاندي عن طريق اختيار وكيل ضعيف وإدارة الأمور من وراء الكواليس.

على الأرجح، سوف تختار أياً من ثين سين، الجنرال السابق والرئيس الحالي، أو شوي مان، عضو سابق آخر من المجلس العسكري، الذي بات الآن رئيساً لمجلس النواب. سو كي ربما تتحفظ بمنصب رئيس البرلمان لنفسها.

بعد كل شيء، يتساءل حتى بعض أشد المتحمسين المعجبين بها عما إذا كان لديها حقا ما يلزم لادارة البلاد. كون الشخص فصيحاً لا يمكن أن يكون أمراً كارثياً، لكنه لا يكاد يؤهلها لتصبح بطلة قصة الأميرة والحذاء الزجاجي.

ماذا على الأرض السلمية؟ المحادثات مع الأقليات العرقية، وبعضها لا يزال يقاتل الحكومة المركزية على مدى نصف قرن، تسير بشكل جيد بشكل مدهش.

مع استثناء واحد كبير، ولاية كاتشين في الشمال، هناك وقف لإطلاق النار مع جميع الجماعات العرقية الرئيسة. لا أحد يشك في أن المرحلة النهائية ستكون الدولة الفيدرالية. مع ذلك، الوقت آخذ في النفاد. إذا أريد للسلام أن يكون مضموناً قبل الانتخابات، يحصر المشاركون احتياجات البلاد في وقف إطلاق النار ليتم التوقيع عليه بحلول آب (أغسطس).

يبدو الأمر صعباً. هناك تسوية سياسية دائمة لا تزال الأصعب من أي شيء آخر. حتى لو تحقق أمن واحد، فإن هذا لن يحقق الأمن الكامل، حيث ينعدم القانون على طول الكثير من حدود ميانمار، ويحكمها مهربو المخدرات والأحجار الكريمة والخشب والناس. وضع حد للحرب، ليس مثل إحلال السلام.

هناك تحدٍ أكثر خطورة وهو ظهور القومية البوذية، حيث كان هناك العنف الشنيع ضد المسلمين، الذين ربما يشكلون أكثر من 10 في المائة من السكان. (التعداد الذي يتم إجراؤه الآن فقط).

في ولاية راخين الواقعة على الحدود مع بنغلادش، قتل عشرات المسلمين وعشرات من الآلاف أُجبروا على ترك منازلهم لمخيمات قذرة. وانتشر العنف إلى الداخل. في آذار (مارس) الماضي، قُتل 43 شخصاً في وسط مدينة ميخاتيلا. وفرض في هذا الشهر حظر التجول على ماندالاي بعد أن هُوجم وضُرب رجلان، أحدهما بوذي والآخر مسلم، حتى الموت.

الثالث، ماذا عن الأمة المزدهرة التي من المفترض أن تتولى سو كي رئاستها؟ الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في ميانمار 870 دولاراً، أي أقل من بنغلادش. كثير من الناس ليس لديهم الكهرباء. وقد غمر البلاد المستثمرون الأجانب للبحث عن فرص في جبهة السوق الجديدة الكبيرة.

قلة استثمروا فيها فعلا. واستمرت واشنطن في مراجعة العقوبات واحتفظت بعديد من "المقربين" للجنرالات السابقين على القائمة السوداء. إجمالي الاستثمار المباشر الأمريكي في البلاد يصل إلى 244 مليون دولار، مقارنة بـ 14 مليار دولار ضختها الصين، فيها.

يقدّر أحد الباحثين في السوق أنه من بين سكان ميانمار البالغ عددهم 55 إلى 60 مليون نسمة، هناك 120 ألف أسرة فحسب تعتبر من الطبقة المتوسطة.

بالكاد علينا أن نفاجأ. ماذا يمكن أن نتوقع حقاً للأمة التي تم عزلها وتهميشها وتخوض الحرب لمدة خمسة عقود؟ لقد أظهر الربيع العربي أن التخلص من الحكام المستبدين هو الجزء السهل.

عدد قليل جداً من البلدان المجاورة لميانمار يشكل نموذجاً للديمقراطية والاستقرار. يعد ريتشارد هورسي، وهو محلل بارز في البلاد، أن الذنب يقع علينا جزئياً في وصف ميانمار بمصطلح الإفراط في التبسيط: "سيدة مبدعة مقابل جنرالات الشر". البلاد كانت، كما يقول، مكاناً شديد التلف منذ الاستقلال. كانت فكرة أن إطلاق سراح امرأة واحدة يمكنها أن تضع كل شيء في موضعه الصحيح، مجرد خيال منذ البداية، على أرض الواقع.. وشتان.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث