الجمعة 10 شوال 1445 هـ | 19/04/2024 م - 01:35 مساءً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


ذكرى 3 يونيو: حادثة 3 يونيو.. ما قبلها وما بعدها
الأربعاء | 04/06/2014 - 10:16 صباحاً

علي أحمد حسين السبحاني
رئيس القسم العلمي بوكالة أنباء الروهنجيا
04 يونيو 2014

إن مأساتنا مأساة الروهنجيا قضية قديمة بدأت شرارتها واندلعت نيرانها منذ مئات السنين، لكنها كانت غائبة عن الأنظار، وأخبارها بعيدة عن الأسماع؛ رغم بشاعة صورها وشكلها منذ البداءة، وسر ذلك يكمن في الموقع الجغرافي للقضية وأهلها؛ إذ كانت دولة بورما - ميانمار حاليا- بعيدة جدا عن الدول التي تحظى بمزيد من تسليط الأضواء عليها والاهتمام بشؤونها من قبل المجتمع الدولي بحكم ما تمتلكه من الثروات ووسائل النفوذ، إضافة إلى ضعف الإعلام العام في السابق، وأيضا إلى فقر بورما ورداءة حالها التي لا تحفز أحدا إلى التواصل معها والاهتمام بأمرها وتكوين الصداقة والعلاقة بها ..

استمرت تلك الحال إلى وقت قريب جدا، وذاق المسلمون هناك في هذه الفترة الطويلة كل أصناف المعاناة، وشتى أنواع البؤس والشقاء؛ حيث نكل بهم البوذيون تنكيلا، وعذبوهم تعذيبا، وكل ذلك بمباركة من الحكومة البورمية وأمام مرأى ومسمع منها، ولم تكن تحرك ساكنا رغم علمها بكل ما يدور، بل كانت تؤيد ذلك وتشجع البوذيين في الخفاء على الاستمرار وعلى فعل مزيد من التنكيل بالمسلمين ..

وكل هذا يحصل بالمسلمين هناك دون أن يكون أي تحرك من دول العالم ولا من المسلمين؛ إلا فئة قليلة مؤمنة أحيا الله ضميرها ووفقها لتفقد أحوالهم والسعي لنصرة قضيتهم قدر الإمكان!

وتعذيب الروهنجيا ببورما لم يكن عشوائيا، بل كان شيئا مخططا ومدروسا؛ فالبوذيون كانوا بين شد وإخاء؛ تأتي فترة تكثف فيها من هجماتهم على المسلمين وتخريب ديارهم، ومصادرة ممتلكاتهم وحرق حرثهم ونسلهم، ثم تأتي أخرى يرخون فيها الحبل قليلا؛ فيخففوا من الهجمات والغارات، وكل ما أرادوا المضايقة وبدء عمليات الهجوم المكثفة صنعوا حدثا من عند أنفسهم يكون ذلك مدخلا لتنفيذ مخططهم، والصورة هذه تتكرر كل عام وبعد كل فترة معينة، إلى أن جاءت فترة مأساة الدعاة المسلمين العشرة الذين قتلوا ومزقت أجسادهم وسالت دماؤهم كسيلان الوادي بحجة اغتصاب امرأة بوذية وقتلها، وهو في الحقيقة لا ناقة للمسلمين فيه ولا جمل، وليس فيه أيضا للدعاة المقتولين أي علاقة تذكر! لكن البوذيين صنعوا ذلك الحدث وجعلوه مدخلا للفتك بهم والهجوم على المسلمين مجددا!

ومنذ ذلك اليوم الذي هو الثالث من شهر يونيو 2012 إلى يومنا هذا - وقد مر عامان من وقوع الحدث- استمر البوذيون المجرمون في مضايقة الروهنجيا في أراكان المحتلة، وقتل رجالهم وسحلهم، واغتصاب نسائهم، وذبح أطفالهم، وحرق قراهم وبيوتاتهم، وتدمير مزارعهم، ومصادرة ممتلكاتهم، وتحويل مساجدهم وأماكن عباداتهم إلى معابد لهم، ودور للخنا وممارسة الزنا، وتهجير المئات منهم إلى الدول المجاورة، ولم يستطع المجتمع الدولي تجاه كل ذلك فعل أي شيء سوى ما هو معهود منهم دوما، وهو البيانات والاستنكارات الإعلامية، ولأهداف معلومة لديهم!!

نعم، إن حدث 3 يونيو من ضمن الأحداث التي صنعها البوذيون لتحقيق مآربهم الخبيثة، لكنه يختلف عن سابقه من حيث المخرجات والمكتسبات للمسلمين؛ فقد استفاد الروهنجيا منه استفادة لو كانت في حسبان البوذيين قبل صنعه لما أقدموا عليه من الأصل، ومن فوائد هذا الحدث للمسلمين:

1 - أنه أيقظ أبناء القضية من نومتهم ونبههم من غفلتهم التي كانوا عليها عشرات السنين.
2 - أنه ظهر لهم من ورائه بصيص من الأمل في حل قضيتهم التي امتدت لمئات السنين؛ وذلك لظهور بعض القرائن التي تدل على ذلك.
3 - أنه كان وجبة دسمة للإعلام الحديث الذي يهتم دوما بالبحث عن الأحداث المثيرة، وكان فعلا مثيرا للغاية؛ مما جعل الإعلام يهتم به أكثر، ويتناوله على أوسع نطاق، وبكل وسائله المرئية والمقروءة والمسموعة.

4 - أنه كان سببا رئيسا لتعرف كثير من الشعوب والدول على القضية الروهنجية وأكثر تفاصيلها، وعلى أهلها المضطهدين الذين هاجروا إلى بلدان العالم؛ مما أدى إلى تفاعلهم معها وشجبهم واستنكارهم، وإقامة مسيرات ومظاهرات من الشعوب أمام السفارة البورمية في كثير الدول.

5 - أنه أخرج القوة الكامنة في نفوس كثير من أبناء القضية؛ فأصبحوا يهتمون بها، ويسعون سعيا لحثيثا لحلها، ويطرقون كل الأبواب القانونية والسياسية والإعلامية للوصول إلى الهدف المنشود، وكانوا قبلُ يكتفون بمزيد من عبارات الاسترجاع والحوقلة عندما سماع أخبار قضيتهم في البلاد!
وكان هناك مهتمون قبلهم ولهم جهود مشكورة، لكن العدد الآن زاد كثيرا بعد هذه الحادثة الأخيرة - فلله الحمد والشكر-.

6 - أنه كان سببا لتأسس أول وكالة لرصد أخبار الروهنجيا، وهي (وكالة أنباء الروهنجيا)، وسببا لنشوء كثير من المناشط أيضا  مما يهتم بالقضية الروهنجية نقلا لأخبارها، وإغاثة لأهلها المنكوبين، وسعيا لحلها، وتعريفا بحقيقة القضية للعالم، كمنظمة اتحاد الروهنجيا، والتحالف الوطني الروهنجي، وقناة آرفيجن، والمركز الروهنجي العالمي، ووكالة أنباء أراكان، وكثير من الصفحات والحسابات في الفيس بوك وتويتر ووسائل التواصل الأخرى.

7 - أنه جعل كثيرا من الدول والمؤسسات الخيرية تتعرف على حقيقة القضية الروهنجية والاهتمام بها، كدولة الكويت وقطر، ومؤسسة راف.
وأما المملكة العربية السعودية وكثير من رجالاتها فلها ولهم جهود كبيرة تجاه نصرة القضية منذ القدم، وبعد الحدث الأخير زادت أكثر من السابق كما هو مشاهد وملموس لدى أبناء الروهنجيا في المملكة؛ فجزى الله حكامها الأشاوس وشعبها المفضال خيرا، وأيضا كلَّ من له أي فضل صغيرا كان أو كبيرا تجاه القضية من رجالات الدول الإسلامية الأخرى وحكامها وشعبها، كالكويت وقطر ومصر والسودان وتركيا وغيرها.
8 - أنه كان سببا لإتاحة فرصة ظهور أبناء القضية في القنوات المشهورة والتعريف بها للعالم بشكل أكبر وأوسع، وقبل ذلك كانت فرصة ظهورهم نادرة جدا.
لعل هذه أبرز المكتسبات والثمرات التي جنتها القضية الروهنجية وأهلها بعد اندلاع الحدث الأخير في 3يونيو، ومن تأمل بعمق فإنه لا شك يجد ضعف ما ذكرت أو أكثر.
ونصيحتي الآن لمثلي من أبناء قضيتي بالمحافظة على هذه المكتسبات التي أفرزها هذا الحدث، والسعي أكثر وأكثر لإنشاء كثير من المناشط التي تخدم القضية، وما ظهر الآن في الميدان يعد شيئا جيدا، لكنه لا يرقى إلى حجم القضية؛ فالقضية بحاجة إلى مزيد من الوكالات الأخبارية، والقنوات الفضائية، والمؤسسات الكبيرة المهتمة بكل شؤونها وجوانبها المختلفة، واقتدوا بإخوانكم في فلسطين؛ فقضيتنا الروهنجية أشبه بقضيتهم في أوجه كثيرة، واستيلاء إسرائيل الكامل على فلسطين في السنة التي استولى فيها البوذيون على أراكان الاستيلاء الكامل، ورغم اتفاقنا معهم في بدء المأساة فإنهم تفوقوا علينا في كل شيء من الأمور السياسية والعلمية والقانونية والإعلامية؛ فهم يمتلكون عشرات القنوات والصحف الالكترونية، ومئات السياسين والقانونيين والمتحدثين البارعين بقضيتهم، والقادة المحنكين؛ في حين أننا نؤدي أمامهم دور المتفرج الحيران.

أسأل الله أن يوفقنا جميعا لنصرة قضيتنا والسعي إلى ذلك بكل حرص وعزيمة صادقة، ولامتلاك المزيد من الوسائل والأدوات التي تؤهلنا لنصرتها وحلها؛ إنه كل على كل شيء قدير.


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث