السبت 11 شوال 1445 هـ | 20/04/2024 م - 12:27 صباحاً - بتوقيت مكة المكرمة

تاريخ موجز


حاضر التعليم الإسلامي في أراكان المحتلة
الأحد | 14/10/2012 - 08:02 مساءً

إعداد: حميد الرحمن

بحلول الاستعمار الإنجليزي في شبه القارة الهندية وأنحائها نجحت بريطانيا في القضاء عليها وتفويض نفوذها، وكانت تعلم جيدا أن بقاء الفكر الإسلامي في هذه البلاد يشكل خطرا عظيما عليها، لذا حشدت قواها للسيطرة على القوة الإسلامية وجماعاتها، وقررت استخدام سلاح العلم للقضاء على الثقافة الإسلامية وحضارتها، واستدعت أحد خبراء التعليم الغربي "اللورد ميكالي" للقيام بهذه المهمة. وفعلا قام اللورد بوضع خطة تعليمية شيطانية وصفها بقوله: "إن الغرض من خطتنا التعليمية هو إنشاء جيل في الهند يكون هندي النسل واللون، أوربي الفكر والذهن"

وحينما انكشفت هذه النوايا الخبيثة أمام المسلمين العلماء الغيورين قرروا مواجهة هذه المؤامرات والدسائس بخطة علمية رشيدة تحفظ للمسلمين عقيدتهم وتراثهم وثقافتهم، وقرروا إنشاء مراكز إسلامية، فأسسوا دار العلوم بديوبند، وبعدها مدرسة مظاهر العلوم بسهارنبور، وندوة العلماء بلكهنؤ، ودار العلوم بهاتهزاري وأمثالها كالشبكة في شبه القارة الهندية. وإنطلاقا من ذلك قام العلماء المتخرجين من تلك المدارس الإسلامية بتأسيس مدارس ومعاهد إسلامية في أركان شرقا وغربا.

فتلك المعاهد والمدارس الإسلامية في أنحاء أراكان هي بمثابة صروح إسلامية شامخة في أراكان، ولها الأفضل الأكبر في نشر العلوم الإسلامية واللغة العربية، ويجري معظم هذه المعاهد والمدارس على المساعدات والتبرعات، ولم تتلقى أية معونة من القوات الحاكمة على مر العصور بل وبالعكس تواجه العراقيل والمعارضات المختلفة من الحكومة.

هذه المدارس تتبع المنهج النظامي الذي وضعه العام الهندي الجليل "نظام الدين – رحمه الله تعالى-" وهذا المنهج لعب وما زال يلعب دورا فائقا في مجال التعليم والتربية، تمكن من إنجاب العلماء العباقر من أمثال الشيخ حسين أحمد المدني والشاه إسماعيل الشهيد والسيد أحمد البيرلوي وغيرهم.

 

ميزات هذا المنهج:

أولا: يهتم هذا المنهج بأصول الكتب الدينية ويعني بدراسة جميع جوانبها دراسة عميقة، فهي تساعد الدارسين على سعة الاطلاع على أمور الدين وتعين على المهارة التامة فيها التي هي من أهم الواجبات وأعظمها للدعاة.

ثانيا: يتبنى هذا المنهج كتب الأدب العربية القديم، وهي من أسمى الوسائل لوعي معاني القرآن الكريم وإدراك مفاهيم الحديث النبوي الشريف، ما لا يتيسر لدارس العربي الحديث.

ثالثا: يحتوي هذا المنهج على الكتب المعقدة من المنطق والفلسفة والتي تمكن العالم بها من الاطلاع على كثير من التراث الإسلامي وإن العثور على ذلك وحفظه ن واجبات الأمة الإسلامية لئلا تضيع الأمة تراثها وثقافتها الأصيلة.

رابعا: يهتم هذا المنهج بالجانب التربوي إلى الجانب التعليمي جنبا بجنب، وإن خطورة التربية الإسلامية عظيمة في بناء حياة الشباب المسلم وتكوين شخصية الداعية على طراز إسلامي من الأمور الهامة لنجاح دعوته.

على الرغم من وجود هذه المحاسن إلا أن هذا المنهج ينقصه بعض الجوانب، فهو لا يلبي حاجات ومتطلبات العصر الراهن. لأنه لا يعتني بالمواد المهمة الحديثة من دراسة مقارنة الأديان والاستشراق الغزو الفكري والإعلام وغيرها، كما لا تعتني بالمواد المعاصرة من الإنجليزية والعلوم العصرية والسياسة والاقتصاد والجغرافيا والكمبيوتر وعلم النفس وعلم الاجتماع وغيرها. وجل كتبه القديمة باللغة الأردية والفارسية. معظم الخريجين من هذه المدارس لا يلمون بالأوضاع المعاصرة والأحداث الراهنة، وهم منعزلون عن المجتمع، لا علاقة لهم بشئون الدولة وسياستها، ولا يشعرون بواجبهم نحو الأمة ونحو أنفسهم، كأنهم منعزلون في جزر بعيدة، وهذه شبه الرهبانية التي لا يعترف بها ديننا الحنيف. منهمكون في مباحث فلسفية جافة وعلوم المنطق والآداب التقليدية التي لا روح فيها ولا رسالة ولا صلة بالأخلاق أو الدين. هذه المدارس لا تتمكن من تلبية حاجة الأمة الإسلامية بتخريج الكوادر المطلوبة من العلماء الأكفاء القادرين على قيادة الأمة وفق المنظور الإسلامي مع مراعاة مقتضيات العصر الراهن.

مما لا يجوز إهماله للداعية أن أساليب المهاجمات على الدين قد تغيرت كثيرا بتغيير الأحوال والظروف فلا بد من أن تتغير أساليب المقاومة والمواجهة. وقد عجزت الآلات القديمة من علوم اليونان وفلسفتها عن مقاومة هذه الأفكار والحركات الهدامة، فيطلب العصر الراهن من العلماء والدعاة التجديد والنهضة الجديدة وتطوير الآلات واتخاذ الأساليب العصرية للدفاع عن الإسلام وأهله، كما أمر الله عز وجل: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة).

 

سلبياتها وقصورها:

لا شك أن هذا المنهج على الرغم من إيجابياته، له سلبيات وعيوب تحول دون الوصول إلى غايته التي سأذكرها بإيجاز فيما يلي لطرح الحلول الصحيحة بين أيدي القراء، وأحاول دراستها دراسة تحليلية بعيدا عن التعصب الفكري والتقليد الأعمى. فالرجاء من القارئ أن ينظر إليها بعين الحق والعدالة دون التطرف والتعصب.

أولا: يخلو هذا المنهج عن العلوم العصرية، ولا غنى للداعية الإسلامية عن هذه العلوم في نشر دعوته على أساليب متطورة معاصرة.

ثانيا: يختار هذا المنهج اللغة الأردية كلغة الإفهام والتدريس، وهذا ما يعد حاجزا كبيرا في عرض المفاهيم الدينية في أوساط عامة الناس في مجتمع بلادنا سواء كان ذلك بالخطابة والكتابة أو وسائل الإعلام الحديثة. لذا نرى الخريجين في المدارس الأهلية يتضلعون في العلوم الدينية لكنهم عاجزون عن إلقاء الخطب والكلمات بأسلوب جميل يجذب أفئدة المستمعين.

ثالثا: يعتمد هذا المنهج على العلمية النظرية، ولا يهتم بالتدريبات والتطبيقات حتى أن المدرس الذي يدرس النحو يخطئ في التشكيل والإعراب، ومدرس مادة الأدب لا يقدر على إلقاء الخطبة بالعربية ولا كتابة مقالة بالعربية الفصحى. وهذا ما دعا الباحثين إلى القول بأن هذا المنهج منهج عقيم.

رابعا: يختار هذا المنهج كتب الأدب العربي القديم ما يحرم الطلاب عن معرفة التطورات في الأدب العربية وما في اللغة العربية من تغيرات في مدلولاتها واستعمالاتها.

خامسا: يعتني هذا المنهج بتدريس كتب المنطق والفلسفة الصعبة، فيضرب الطلاب معظم جهودهم وراء تلك الكتب القديمة ولا ينتفعون بها.

سادسا: إن هذا المنهج لقلة سنواتها الدراسية (12 سنة) لا يتمكن الطالب خلال هذه الفترة من الحصول على مهارة كاملة على المواد المدروسة.

 

حلول ومقترحات:

بإمكاننا أن نطبق في المدارس الإسلامية منهجا متطورا بالجمع بين القديم الصالح والجديد النافع؛ بين العلوم الدينية الأصيلة والمعارف العصرية الحديثة. وفيما يلي بعض الحلول والمقترحات:

·         الاهتمام باللغة العربية وآدابها والاعتناء بها حق الاعتناء في المراحل التعليمية من الابتدائية إلى العالية، لأنها لغة القرآن والحديث النبوي الشريف ولغة كتب المصادر والمراجع، فلا بد لكل مسلم وبخاصة العلماء والدعاة أن يفهموها جيدا ويتقنوها اتقانا كاملا.

·         جعل اللغة العربية مع قواعدها كمادة أصلية في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، لأنه أرقى اللغات في شبه القارة الهندية، ولا غنى عنها في فهم كثير من الكتب الإسلامية القديمة.

·         إقامة المسابقات الأدبية والعلمية والثقافية تنشيطا لهمم الطلاب وتجلية مواهباتهم على الحوار والخطابة وتعويدهم على كتابة المقالات والبحوث في عدة لغات.

·         الاهتمام بتدريس اللغة البورمية بصفتها لغة رسمية في بورما، واللغة الإنجليزية بصفتها لغة عالمية، خاصة في مرحلتي الابتدائية والمتوسطة.

·         اختيار بعض منتخبات الأدب العربي الحديث في المقررات، وهذا ما يمكن الطالب على الاستفادة من كل من الأدب العربي القديم والحديث.

·         إلغاء كتب الفلسفة الصعبة من المنهج، وفتح قسم خاص باسم" قسم التخصص في الفلسفة" مع إضافة بعض الكتب الحديثة.

·         إدراج بعض العلوم العصرية في المنهج بأسلوب سهل، مثل علم الاجتماع وعلم النفس والجغرافيا والتاريخ، والغزو الفكري، ومقارنة الأديان وغيرها.

·         زيادة مدة الدراسة من 12 سنة إلى 14 سنة على الأقل، مع تقسم السنوات الدراسية إلى مراحل اقتداء بالمناهج المتطورة في العالم المعاصر.

·         فتح شعبة خاصة للتخصص في العلوم العصرية، يدرس فيها الطلاب بعد تخرجهم من المرحلة العالية، نظرا إلى ضرورة الدعوة الإسلامية إلى تلك العلوم الحديثة.

·         تشكيل لجنة متخصصة تتكون من كبار العلماء ورؤساء المجالس التعليمية ومدراء الجامعات للنظر في شئون المنهج التعليمي والمقررات الدراسية، والإشراف على المدارس الأهلية، وحل المشاكل بالإجماع، علما بأن المحاولات الفردية لا تنفع شيئا في هذا العمل العظيم الذي يرتبط به كيان الأمة الإسلامية وبقاؤها.

 

المصدر: أراكان أون لاين

 

 

 


التعليـــقات
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الوكالة وإنما تعبر عن رأي أصحابها

ذكرى 3 يونيو

المقالات
مؤلفات
القائمة البريدية
اشترك الآن في القائمة البريدية لتصلك نشرة دورية بأحدث وأهم الأخبار
البحث