ألم يحن الوقتُ لإرسال قوات "أممية" لحماية مسلمي بورما؟
09/11/2014

بقلم هاني صلاح

 

ي الوقت الذي تتواصل فيه من حينٍ لآخر استنكارات "المجتمع الدولي" بشأن الانتهاكات المتواصلة بحق "مسلمي الروهنجيا" في ميانمار/بورما؛ تتواصل حملات ومداهمات الجماعات البوذية المتطرفة والمسلحة على بلدات وقرى "أراكان" التي يعش بها "مسلمي الروهنجيا".

 

فالسلطات البوذية "شبه العسكرية" جادة في مخططها الهادف إلى تفريغ إقليم "أراكان" في غرب البلاد من مسلمي الروهنجيا ـ وهم السكان الأصليون في المنطقة وأصحاب الأرض والحق، من خلال تراجع الأمن للوراء وإعطاء الضوء الأخضر للجماعات البوذية المتطرفة ـ أو إذا شئت قلت الأمن البوذي بزي مدني ـ للهجوم على بلدات وقرى مسلمي الروهنجيا ثم تركها ما بين بيوت محروقة ورجال مقتولة ونساء مغتصبة ومحلات منهوبة وقد حل الدمار والخراب في أنحائها وكافة نواحيها.

 

وما إن هدأت الاستنكارات الدولية في الأيام التالية لكل مذبح؛ حتى تبدأ مذبحة جديدة، ويتكرر مسلسل جديد من حملات القمع والقتل الممنهج؛ وكأن "المجتمع الدولي" يشارك بصمته جريمة تطهير عرقي تقوم بها سلطات بورما البوذية على مراحل متدرجة؛ حتى يأتي الوقت الذي تعلن فيه بأن البلاد أصبحت فقط للبوذيين!

 

فهل تظل الاستنكارات الدولية تتردد على أسماع العالم؛ وتسمع معها أصداء القتل والألم في قرى أراكان المسلمة؟

 

ومتى يتحرك المجتمع الدولي؛ إن لم يفرض على حكومة بورما اليوم قبل غد وقف حملات القتل والتهجير التي تقوم بها العصابات البوذية بالتنسيق مع قوات الأمن الداعمة لها بعيداً عن وسائل الإعلام؟

 

والسؤال اليوم الذي بات ملحأ:ألم يحن الوقت لإرسال قوات من الأمم المتحدة لحماية قرى وبلدات مسلمي الروهنجيا في أراكان من اعتداءات الجماعات البوذية المتطرفة والمسلحة؟

 

عقود من التهميش

 

يشار إلى أن الشعب الروهنجي المسلم يشكل غالبية سكان ولاية أراكان في غرب ميانمار (بورما سابقاً)، وقد تعرض لعقود متتالية من الاضطهاد والتهميش والإقصاء منذ استقلال بورما عن الاحتلال البريطاني في عام 1948م؛ حتى صنفتهم الأمم المتحدة بأنهم أشد الأقليات العرقية اضطهاداً في العالم.

 

ومسلمو الروهنجيا هم خليط من عدة أصول متعددة؛ فبعضهم ينحدرون من بلاد الترك في شمال آسيا، والبعض الآخر ينحدر من بلاد الفرس، وفئة من بلاد العرب في اليمن.

 

وقد تلاقت كل تلك الفئات في منطقة بجنوب شرق آسيا بالقرب من خليج البنغال، فتزاوجوا وتناسلوا حتى نشأت عرقية تسمى "روهنجيا"، ومع مرور الزمن تكاثروا حتى أقاموا مملكة خاصة بهم سميت مملكة "أراكان" في عام 1430م، وأعلن حاكمها آنذاك الملك "سليمان شاه" عن تحويل المملكة إلى مملكة إسلامية، بعد أن وصل إليها الإسلام مبكراً في القرن الثاني الهجري في عهد هارون الرشيد.

 

دامت مملكة أراكان لثلاثة قرون ونصف القرن، وتناوب على حكمها 48 ملكًا، وكلهم كانوا مسلمين سنيين على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله تعالى.

وفي عام 1784م سقطت تلك المملكة على يد ملك بورما، واسمه "بودابايه" بعد أن أغار على أراكان واحتلها وقتل كثيراً من المسلمين فيها.

ومنذ ذلك الوقت لم يتمكن المسلمون من استرجاع تلك المملكة، فتعرض مسلمو "الروهنجيا" إلى مضايقات كثيرة حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، فوقع كثير من القتلى بسبب اعتداءات البوذيين على المسلمين، لنهب أراضيهم وبيوتهم وإخراجهم من بلادهم دون أي ذنب سوى تمسكهم بالإسلام.

وقد تعرض الشعب الروهنجي المسلم لعقود متتالية من الاضطهاد والتهميش منذ استقلال بورما عن الاحتلال البريطاني في عام 1948م.

بل إنه وقبل عام واحد من استقلال بورما عن بريطانيا؛ تم عقد مؤتمر في عام 1947م بمدينة "بينج لونغ" البورمية ضم جميع العرقيات الموجودة في البلاد باستثناء العرقية الروهنجية والتي تم تجاهلها في اتفاقات هذا المؤتمر، وأبرزها تقاسم السلطة بعد الاستقلال.

إقصاء عن الحياة السياسية

وبعد استقلال بورما في 1948م، تم إقصاء "الروهنجيا" من الحياة السياسية كجزء من خطة إنهاء وجودهم في البلاد، ومنذ هذا التاريخ، كان للشعب الروهنجية مؤسساته المدنية التي ظلت تطالب بحقه المشروع بالمشاركة في العملية السياسية وإدارة البلاد مع بقية العرقيات الأخرى في بورما خاصةً البوذية.

وبالرغم من إبعادهم من المشاركة في العملية السياسية؛ إلا أن "الروهنجيا" كانوا يتمتعون بالمواطنة وبالحقوق المدنية، حتى جاء عام 1962م فوقع الانقلاب العسكري الذي نفذ الفصل ما قبل الأخير من الخطة الممنهجة في إنهاء وجود الروهنجيا؛ ألا وهو نزع المواطنة منهم بحجة أنهم دخلوا البلاد مع مجيء الاستعمار البريطاني في المنطقة عام 1824م، بالرغم أن التاريخ يثبت وجودهم قبل هذ التاريخ بفترة طويلة.

قانون نزع المواطنة

ففي عام 1982م، قام قادة الانقلاب العسكري بإصدار قانون نزع بمقتضاه حق المواطنة عن "الروهنجيا" بحجة أنهم أجانب وليسوا من السكان الأصليين للبلاد، واتهمتهم السلطات دوماً بأنهم مهاجرون غير شرعيين دخلوا البلاد مع مجيء الاستعمار البريطاني في المنطقة عام 1824م، بالرغم أن التاريخ يثبت وجودهم قبل هذا التاريخ بفترة طويلة.

بينما منذ عام 2012، يعيش "مسلمو الروهنجيا" الفصل الأخير من الخطة التي تستهدف إنهاء وجودهم في البلاد عبر تهجيرهم من قراهم وتجميعهم في مخيمات داخل أراكان تمهيداً لتهجيرهم خارج البلاد.

وتلخيصاً لتاريخ محنة "الروهنجيا" في العصر الحديث؛ فقد مروا بعدة مراحل منذ سقوط مملكتهم "أراكان" عام 1784م:

المرحلة الأولى

التي بدأت من عام 1784م واستمرت حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث لم يكن هناك اضطهاد أو قتل أو تهجير إلا فيما ندر، وكان "الروهنجيا" متعايشين مع الجميع، ولم يكن هناك فرق بينهم وبين أي مواطن آخر.

المرحلة الثانية

التي بدأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الانقلاب العسكري عام 1962م؛ حيث بدأ الاضطهاد بصفة علنية، فوقع عدد من المذابح وعمليات التهجير القسري، والإقصاء عن الحياة السياسية إلا تمثيلا غير مؤثر في الدورة الأولى للحكومة.

المرحلة الثالثة

بدأت من وقوع الانقلاب العسكري عام 1962م واستمرت حتى عام 1995م، حيث تم حرمان "الروهنجيا" من المواطنة، وأصبحوا لا يتملكون أراضيهم ومزارعهم وبيوتهم، ووقع في هذه المرحلة العديد من المذابح في عدد من مدن أراكان، وعمليات تهجير قسري، وتم طرد المسلمين من بيوتهم بقوة السلاح، حتى امتلأت المخيمات في بنجلاديش باللاجئين الروهنجيين، وهاجر كثير من "الروهنجيا" إلى دول عديدة، مثل: باكستان وماليزيا والسعودية والإمارات وبعض دول أوروبا.

المرحلة الرابعة

بدأت من عام 1995م وحتى 2011م، حيث هدأت أوضاع "الروهنجيا" كثيرًا بسبب وقوع خلافات في صفوف الأحزاب السياسية البورمية، حيث بزغ نجم زعيمة المعارضة "أونغ سان سوتشي" في هذه الفترة، وقرر أنصارها إحداث فتن وقلاقل في البلاد للمطالبة بحقوقهم السياسية والمشاركة في الحكم، فتوجهت الآلة العسكرية إلى كبت صوت المعارضة، واستئصاله، فوقعت صدامات كثيرة في البلاد، وبسبب هذا الانشغال للجيش والحكومة؛ كان "الروهنجيا" بعيداً عن الصراع، سوى التعاطف الذي كان يظهره لحزب "سوتشي" لظنهم أنها سوف تخلصهم من عمليات الإذلال والاضطهاد التي مورست ضدهم من قبل الحكومة العسكرية.

المرحلة الخامسة

 

بدأت عام 2012 وحتى يومنا هذا، حيث تحالفت الحكومة العسكرية مع المعارضة، واتفقوا على تقاسم السلطات في البلاد، وقرر الحاكم العسكري إلغاء الحكم العسكري وتحويل البلاد إلى بلد ديموقراطي، فتنافس الحزبان في كسب تعاطف الشعب وتلبية رغباتهم، وكان من أهم مطالب الرهبان البوذيين وعرقية "موك" هو إخراج "الروهنجيا" المسلمين من البلاد، وإخلاء ولاية أراكان منهم، فتحالف زعماء الرهبان والسياسيين من عرقية "الموك" مع الحكومة من جهة، والمعارضة من جهة أخرى لبدء عملية اضطهاد "الروهنجيا" وإخراجهم من البلاد، وكان المطلوب من الحزبين الصمت إزاء تلك الخطة الممنهجة، والتأييد أو الدعم بقدر المستطاع، مقابل كسب تأييدهم في الانتخابات التي تجرى في البلاد عام 2015م.

 

المصدر: الإسلام وطن.


المصدر: وكالة أنباء الروهنجيا
https://www.rna-press.com/