مقابلة مع المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في ميانمار
24/10/2013

وكالة أنباء الروهنجيا - (إيرين): وقعت حكومة ميانمار اتفاقات وقف إطلاق نار بشكل منفرد مع 14 جماعة مسلحة غير تابعة للدولة منذ عام 2011، وتمضي قدماً في خطط لوقف إطلاق النار على المستوى الدولة، كان من المقرر في الأساس عقدها في نهاية شهر أكتوبر الجاري ولكن قد تم تأجيلها. وتحمل أحدث جولة من المفاوضات مع منظمة استقلال كاشين في شمال ميانمار مزيداً من الآمال نحو تحقيق المصالحة الوطنية.

وفي الوقت الحالي، تواجه الحكومة توتراً في ولاية راخين الغربية بين طائفتين عرقيتين  هي الراخين (ذات الأغلبية البوذية) والروهينجا (ذات الأغلبية المسلمة)، وتواصل القتال في ولاية كاشين الذي أدى في العام الماضي إلى نزوح أكثر من نحو 83,000 شخص إلى 42 مخيماً، وادعاءات متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان ضد الأقليات العرقية في الدولة.

وعقب بعثته الأخيرة إلى ميانمار في أغسطس 2013، التقت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)  بالسيد توماس أوخيا كينتانا، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في ميانمار، في مسقط رأسه في مدينة بوينس آيرس، لبحث آفاق وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، والتمييز العرقي في ولاية راخين، وادعاءات باستخدام الجيش أو الشرطة للقوة الوحشية ضد أفراد طائفة الروهينجا، وكذلك الآثار المترتبة على عملية الانتقال إلى الديموقراطية على الأقليات العرقية في الدولة.

إيرين: في ضوء السجل الهش لوقف إطلاق النار بين الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة وحكومة ميانمار، ما هو الضمان لإحلال سلام دائم عبر أحدث جولة من جولات محادثات السلام؟

كينتانا: الأمر المختلف تماماً في هذه الجولة هو أننا نتعامل مع حكومة مدنية في عملية الانتقال نحو الديمقراطية. وبصفتي مقرراً خاصاً لحقوق الإنسان، لا يمكنني القول بأننا أمام دولة ديموقراطية بعد. التحول نحو الديموقراطية سيستغرق وقتا طويلاً. غير أن هناك حكومة مدنية تحظى باحترام متزايد، لاسيّما من قبل الدول الغربية.

هذا الاحترام منح الحكومة المدنية نوعاً من الفرصة للمناورة من أجل عقد هذا الحوار مع المجموعات العرقية المسلحة [ لنزع سلاحها]، وهو بالطبع أمر مهم جداً [لعملية السلام].

ويوجد لدى كافة الجماعات العرقية تحفظات على الاحتمالات المترتبة على هذه المحادثات فيما يتعلق بالسلام الدائم، من حيث الحصول على مكاسب من التنمية، ومن حيث مشاركتها في الاستفادة من الموارد الطبيعية.

ولدى هذه الجماعات تحفظات بشأن هيكل النظام السياسي في الدولة، الذي لا يسمح في الوقت الحالي للجماعات العرقية بالمشاركة بالصورة التي ترغب بها ] في إدارة شؤونها الخاصة[، وفيما يتعلق ]باستقلالها السياسي].

مع ذلك، وقعت الحكومة [صفقات سلام] مع معظم الجماعات [الأطراف الفاعلة من غير الدولة]. ولا تزال مجموعة واحدة فقط، وهي كاشين، [جيش استقلال كاشين]، تجري محادثات مع الحكومة. وقد وقعت مؤخراً على اتفاق، لا يعد بالضبط اتفاقية لوقف إطلاق النار... ولكنه يصب في هذا الاتجاه.

والآن، بعد مهمتي الأخيرة [في أغسطس 2013]... تحدثت إلى الرئيس ومستشاريه المسؤولين عن عملية السلام، وعلمت أنهم يخططون لعقد اتفاق لوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني في أكتوبر 2013.

إيرين: كيف سيكون اتفاق وقف إطلاق النار الوطني مختلفاً عن اتفاقات وقف إطلاق النار التي تتم بشكل منفرد؟

كينتانا: ستكون هناك رسالة مهمة جداً للمجتمع الدولي مفادها أن ميانمار كلها متوحدة باتجاه تحقيق هدف مهم جداً هو إحلال السلام في الدولة. هناك ضغوط كثيرة تمارس على جيش استقلال كاشين ]لكي يوقع على الاتفاق[.

ولكن المشكلة.. كيفية تنفيذ اتفاقيات وقف إطلاق النار تلك على الأرض، وكيف سوف تعكس مصالح جميع القرويين الذين يعيشون في المناطق النائية. نحن لا نرى خطة شاملة لتنفيذ هذه القرارات. إحدى هذه القضايا، على سبيل المثال، هي ماذا سيحدث للاجئين [البورميين] في تايلاند؟ إذا كنت أحد هؤلاء اللاجئين فهل تريد العودة؟

لا توجد شفافية، ولا توجد خطط [للتنفيذ]. لا أحد يعرف عن مشكلة الألغام الأرضية، ولا المشكلات المتعلقة بالأراضي. إضافة إلى ذلك، تجري عمليات كثيرة لمصادرة الأراضي.  المشكلة الخطيرة حقاً هي كيفية الانتقال من وقف إطلاق النار- من إيقاف إطلاق الرصاص - إلى شيء مختلف، وهو بناء دولة موحدة. لا يزال هذا الأمر صعباً للغاية، وسوف يستغرق وقتاً طويلاً.

إيرين: ما هي العراقيل التي تحول دون تحقيق السلام في ولاية كاشين، المكان الوحيد الذي لم تستطع فيه الحكومة التوصل إلى اتفاقية مع المتمردين؟

كينتانا: ليست واضحة. جيش استقلال كاشين يدّعي أن الجيش لا ينفذ فعلياً قرارات الرئيس المدني وأنه لا يزال هناك تواجد عسكري  في المنطقة، وهو الأمر الذي لن يقبلوا به. يتمسك مجتمع كاشين، بوجه خاص، بموقف قوي بشأن إمكانية أن يقوم بإدارة شؤونه التجارية الخاصة في ولاية كاشين [وليس التنافس مع الجيش فيما يتعلق بالشؤون التجارية والدخل].

على الجانب الآخر، لا تتيح الحكومة حتى الآن أي مجال لإدراج هذا النوع من القضايا في الحوار. ولهذا السبب كان من الصعب عقد اتفاق بين الجانبين حتى الآن.

إيرين: ما مدى تمثيل الجماعات المسلحة من غير الدولة لمجتمعاتها المحلية؟

كينتانا: هذا سؤال صعب لأنه لا توجد هناك ديموقراطية ولا عملية انتخابية رسمية، لذا كيف يمكن للمرء أن يحدد إلى أي مدى تمثل هذه الجماعات مجتمعاتها.

كل ما رأيته...هو أن الناس العاديين في القرى لا يفهمون حقاً اتفاقيات وقف إطلاق النار وعمليات السلام ولا يعتقدون أنها ستجلب لهم مكاسب ملموسة. هذه مشكلة. ويجب أن يكون لزعماء الجماعات العرقية علاقات أفضل مع أفراد مجتمعاتهم.

الأمر ذاته ينطبق على اللاجئين. عندما تتحدث مع اللاجئين بشأن العودة ومعلوماتهم عن ما يجري في ميانمار، تجد أنهم لا يعرفون. إنهم متشككون ولا يزال الخوف يسكنهم. يبدو أن زعماء الجماعات العرقية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود في هذا الصدد.

في الوقت ذاته، واجه الشعب وزعماء الجيش العرقي قمعاً من النظام العسكري الذي حكم الدولة لعقود، وهو أمر يصعب جداً التعايش معه والتعافي منه، ولذلك فإن محاولة التلاحم مع مجتمعاتهم ليس بالأمر اليسير.

إيرين: ما هي الخطوات التي يمكن القيام بها لزيادة مشاركة المجتمعات المحلية في محادثات السلام؟

كينتانا: تبذل الحكومة وزعماء الجماعات العرقية جهوداً كبيرة... لتسوية المشكلات على أعلى المستويات. غير أنهم بحاجة إلى إشراك المجتمعات المحلية في خطة عمل على نطاق أوسع وأكثر شمولية. لا يمكن مشاهدة مشاركة المجتمعات المحلية. وقد جرت هذه العادة في ميانمار منذ عقود. أعني أن هذه هي الطريقة التي كانت تنتهجها المؤسسة العسكرية في الدولة... تصدر تعليمات وتنتظر من الناس تنفيذها- فقط- دون التشاور معهم. إنها جزء من مشكلة تاريخية في ميانمار ولا يزال الأمر على هذه الحال.

إيرين: وماذا عن لجنة راخين التي أسستها حكومة ميانمار؟ ما هو رأيك في توصياتها بشأن سبل وقف أعمال العنف؟

كينتانا: [اللجنة] لم تعالج أبداً ما يحدث- أي انتهاكات حقوق الإنسان. وهذا قصور واضح وأحد مخاوفي بشأنها. وأنا أدعو [مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة] للاستمرار في معالجة هذه المسألة، ذلك أن الادعاءات المتعلقة بما حدث خطيرة جداً. انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، وتعذيب مئات السجناء في بوثيداونج [سجن في ولاية راخين يحتجز فيه قرابة 1,000 شخص من الروهينجا]، لقد زرت هذا المكان، ولم تقم الحكومة بأي شيء حيال ذلك. الوضع في ولاية راخين هش وحرج للغاية.

إيرين: ما هي فرص نجاح رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) في المساعدة في تخفيف الوضع الذي بات يشكل الآن أزمة إقليمية؟

كينتانا: رابطة دول الآسيان لا تريد المشاركة. استناداً إلى بند عدم التدخل في ميثاق الرابطة، لا تريد الدول الأعضاء أن تتدخل. لذا ليس هناك إمكانية [للآسيان] كآلية إقليمية [أن تضغط على حكومة ميانمار لحل النزاع]. لقد حاولت مخاطبة الرابطة مرات عدة، لإخبارهم بأنهم يستطيعون لعب دور مهم... المشكلة لم تعد وطنية بل تتحول إلى مشكلة إقليمية.

إيرين: هل تمهد الحكومة الطريق للسماح للروهينجا بالعودة إلى ديارهم في ولاية راخين الشمالية؟

كينتانا: لا... تقوم الحكومة باستخدام الأماكن الأصلية للروهينجا لأغراض أخرى.

إيرين: كيف يمكن للمجتمع الدولي تقديم الدعم فيما يتعلق بتوفير المآوى للنازحين؟

كينتانا: هناك معضلة لأن النازحين لا زالوا لا يستطيعون الوصول إلى المساعدات الإنسانية. وإذا لم توفر ذلك لأنك تقول أنك لا تتفق مع سياسات الحكومة لجعل المستوطنات دائمة، فلن يحصل الناس على المساعدات. إذا لديك مشكلة هناك، والوكالات الإنسانية أو الجهات المانحة لا تحاول الانخراط في الساحة السياسية في الدولة.

إيرين: ما هي مخاطر التمييز بين البوذيين والروهينجا على المدى الطويل، حيث تتسبب المخيمات التي تشرف عليها الحكومة في حرمان أفراد الروهينجا النازحين من أرضهم وسبل عيشهم؟

كينتانا: سيكون الأمر كارثياً ففي الكثير من المجالات التي ستبحث فيها في وضع الروهينجا وكيفية معاملتهم، ستواجه عقبات وقيود ونوايا تهدف لعدم مساعدهم.

إيرين: ما هو الدور الذي يستطيع المجتمع المدني أن يقدمه فيما يتعلق بالمصالحة؟

كينتانا: آمل أن يتم إدراج منظمات المجتمع المدني كمشاركين في تنفيذ اتفاق [وقف إطلاق النار]. وهذا هو الدور الذي يجب أن تلعبه ولكن هذا هو الدور الذي يتعين على زعمائهم أن يناقشوه [مع مجتمعاتهم العرقية]. يجب على زعماء [ تلك المجتمعات] أن يقولوا أنهم يريدون أن تتاح لأفراد مجتمعاتهم فرصة المشاركة.

مهمتي كمقرر خاص لحقوق الإنسان هي أن أقول: "أنت قائد لقوات مسلحة عرقية. أعلم... أنك تقاتل منذ سنوات ضد جيشك. ولكنك الآن بحاجة إلى أن تلعب دوراً آخر وأن تدع شعبك يشارك". وهذا سوف يستغرق وقتاً...

خلال ابعثتي الأخيرة ، تعرض موكبي لهجوم من قبل غوغاء من البوذيين [عندما كنت أعمل على معالجة قضية تتعلق بالعنف الطائفي]. ولم تتدخل الشرطة، لذا كان ذلك مخططاً بطريقة ما... الأمر تجاوز مجرد التوتر. لقد كنت خائفاً. ولكني مازلت أحرض على القيام بمهمتي [كمقرر خاص لحقوق الإنسان في ميانمار].


المصدر: وكالة أنباء الروهنجيا
https://www.rna-press.com/